أديب الفقهاء وفقيه الأدباء الشيخ علي الطنطاوي - الحلقة (۱)
شخصيات أعجبتني
أديب الفقهاء وفقيه الأدباء الشيخ علي الطنطاوي
الحلقة (۱)
محمد نعمان الدين الندوي
لكناؤ، الهند
يمتاز هذا الأديب الشامي عن الأدباء العرب المعاصرين بعدة مزايا تكاد تجعله شامة بين نظرائه مع الاعتراف بفضلهم وإثرائهم الأدبي .
-اعترف بإمامته في الأدب والبيان الناطقون بالعربية و اللغات العجمية على السواء.
من هنا .. فقد دوى اسمه - اسم الطنطاوي - في العجم كما دوى في العرب، دوّى في القاهرة العامرة كما دوى في إندونيسيا الزاهرة، و دوى في منطقة الشام الحبيبة كما دوى في أرجاء الهند العظيمة، ودوى في تركيا الإسلامية كما دوى في اليمن الميمون و الرحاب الطاهرة، ودوى في الكليات والجامعات العصرية كما دوى في المدارس والمعاهد الشرعية . . وكفى بذلك دليلا على الصيت الواسع العظيم الذي حظي به حامل هذا الاسم، وعلى مدى التأثر والإعجاب بما خلفه من الإنتاجات العلمية والأدبية .
-جمع صاحبه بين التضلع من اللغة العربية و آدابها و بين التمكن من العلوم الشرعية، فمن هنا لقب ب :" أديب الفقهاء و فقيه الأدباء " .
- تميز بتبنيه للفكر الإسلامي الخالص السليم الذي لا تشوبه شائبة من الإعجاب فضلا عن الانبهار بالأفكار الأخرى .
-كان الطنطاوي - إلى كونه صاحب القلم واللَّسَن والبيان - رجلا حركيا دنماكيا، يساهم في الحركات النضالية بل يقودها . . ، وينفخ الروح في الشعب بخطبه المجلجلة النارية ويقوم بالجولات والرحلات إلى مختلف أنحاء العالم، لتوعية المسلمين بقضاياهم وتبصيرهم بما يهمهم وينفعهم .
- كما عُرٍف بالصراحة والجراءة في الصدع بالحق، والغيرة على العربية الفصحى .
* * * * *
الطنطاوي وندوة العلماء
الشيخ علي الطنطاوي( ١٣٢٧، ١٤٢٠ھ = ۱۹۰۹، ۱۹۹۹م ) من أحب الأدباء العرب المعاصرين إلينا ( نحن الندويين ) بل - لعله - كان أحبهم إلينا وأعزهم علينا، وآثرهم لدينا ... ولا يمكن أن يدرس طالب بندوة العلماء -و لو أياما معدودات- ولا يعرف الطنطاوي ولا يحبه، لأن اسمه على لسان كل أستاذ من أساتذة الأدب العربي، الذين يُرَغِّبون - دائما - الطلاب في الإكثار من قراءة كتب الطنطاوي الذي ينسجم ذوقه ومزاجه مع فكرة الندوة ونظريتها ومنهجها أتم وأجمل ما يكون الانسجام، فهي- كتب الطنطاوي - تجمع بين التميز باستقامة الفكر وسلامة المعتقد وصحة الاتجاه، وبين غزارة المادة وإشراقة التعبير وروعة البيان وجمال الأسلوب، تميزا خاصا يسمو بمكانته على أقرانه، ويجعله من الطراز الأول من الأدباء الإسلاميين المعاصرين على مستوى العالمين العربي والإسلامي بأجمعه .
وهذا الحب لم يكن من طرف واحد..، بل كانت نار الحب مضطرمة - على التساوي - في كلا الطرفين ... حسب التعبير الأردي ...
فهو- الطنطاوي - أحَبَّ "ندوةَ العلماء" حبا يعرفه الجميع، ويغبط عليه الكثيرون .. ويتمنون لو حظوا به .. و لكنه - حب الطنطاوي - كان من حظ الندوة وأهلها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ..
يكفي دلالة على الحب "العلوي الطنطاوي" لندوة العلماء تلك الكلمات العجيبة المضمخة بريا الحب والهيام، التي لم أقرأ أكثر منها إعجابا بندوة العلماء لكاتب هندي -غير ندوي- فضلا عن عربي، والتي تقطر كل جملة بل وكل حرف منها حبا للندوة، حبا - وكأنه- امتزج وتشرب بدم قائلها ولحمه وفكره وقلبه وعاطفته ووجدانه ..
يقول الطنطاوي رحمه الله -وهو يبدي بالغ حبه لندوة العلماء مصرحا بأحلى وأغلى أمانيه - :
"إذا كان للإنسان أن يختصر أمانيه في أمنية واحدة، فإني أتمنى أن يعود بي الزمن إلى الوراء، وأرجع تلميذا صغيرا، فأتعلم وأعيش في رحاب ندوة العلماء، أحيٰى بين طلابها، وأتعلم على شيوخها، وأتنفس جوها وعطره، فأحيٰى حياة جديدة بقلب جديد وأمل جديد" .
وهناك كلمة أخرى للطنطاوي ليست بأقل من الأولى إشادة بفكرة ندوة العلماء، وتقديرا لأهميتها، فلقد كان يقول - رحمه الله- في أحاديثه وكتاباته :" كنت أتمنى للمسلمين أن يكون لهم معهد لا يجمد جمود الأزهر القديم، ولا ينساب انسياب المعاهد الحديثة ويكون على المنهج الوسط يجمع بين أصلح القديم وأنفع الجديد، حتى رأيت ندوة العلماء، فوجدت فيها طلبتي" .
كما شبه الطنطاوي رحمه الله في بعض كتاباته ندوةَ العلماء ب : " واحة خضراء في صحراء قاحلة جرداء ".
إلى هذا الحد العجيب كان وصل حب الطنطاوي وإعجابه بندوة العلماء وفكرتها ومنهجها، الذي ليس إلا المنهج الوسط الذي يعني الثبات على الغايات والأهداف، والمرونة في الوسائل والآلات، والجمع بين صلابة الحديد في المبدأ والعقيدة، ونعومة الحرير في الاقتباس والاستفادة، فالحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها، فهو أحق بها .
فهذا التلاءم والانسجام بين منهج الندوة وفكر الطنطاوي أوجد ممازجة نفسية ومواتاة فكرية، وحبا متبادلا وتآلفا خاصا فريدا بين الطنطاوي وأبناء الندوة، الذين بادلوه حبا بحب ووفاء بوفاء، فقلما تجد ندويا لم يقرأ كتب الطنطاوي، وأخص بالذكر منها : "صور وخواطر" ، و "رجال من التاريخ"، و "قصص من التاريخ" ، فهذه الكتب الثلاثة من أحب كتب الطنطاوي إلى طلاب الندوة، فكنا - نحن طلاب الندوة في زمن الدراسة - كثيرا ما نرجع إليها لكي نختار منها قطعة أدبية رائعة، نحفظها ونرصع بها خطبنا، التي كنا نلقيها في الحفلات الأسبوعية أو المسابقات الخطابية التي كان يعقدها النادي العربي لطلاب الندوة.
و لما ذهبت - في بعثة طلابية من ندوة العلماء - إلى المدينة المنورة لمواصلة الدراسة في الجامعة الإسلامية في أوائل هذا القرن الهجري، كنت أرجو أن أسعد بمقابلة أديبنا الحبيب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله -الذي طالما قرأنا له كثيرا وسمعنا عنه كثيرا - حيث كان يقيم - آنذاك - في مكة المكرمة، والاستفادة من أدبه وعلمه - مباشرة - في مجالسه، ولكن لم تتحقق رغبتي هذه، والله عليم بمدى الحسرة التي أشعر بها في قلبي على عدم تمكني من شرف الحصول على مقابلة أديبنا الحيب الشيخ الطنطاوي رحمه الله.
( الاثنين : ١٣ من شعبان ١٤٤٤ھ = ٦ من آذار- مارس ٢٠٢٣ م )
تعليقات
إرسال تعليق