العلامة الشيخ عبد الباري الندوي ( غزاليّ عصره )
شخصيات أعجبتني : ( ٣٧ )
العلامة الشيخ عبد الباري الندوي
( غزاليّ عصره )
محمد نعمان الدين الندوي
لكناؤ، الهند
*مكانته العلمية*:
كان من أنبغ أبناء ندوة العلماء، وله ميزة عليهم بل وعلى جميع علماء عصره ومثقفيه، فقد فاقهم بكونه ذا دراسة واسعة وعميقة للفلسفة .. قديمها وجديدها، فلم يكن من معاصريه من يضارعه في هذا المجال، وكان من الذين لا يشق غبارهم في هذا المضمار، فكان درس كلتا الفلسفتين القديمة والجديدة، كما كان متضلعًا من العلوم الشرعية .
ونظرًا لكونه صاحب القدح المعلّى في الفلسفة، لقبه بعض عارفي قدره، بـ : " غزاليّ العصر" ، وقال عنه أحد كبار علماء عصره الشيخ مناظر أحسن الكيلاني : " أسلمت الفلسفة على يده " ، وقال عنه العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله : " لا يوجد في جماعة العلماء من يباري الأستاذ عبد الباري الندوي في معرفة الفلسفة الحديثة، وقد أردنا خلال تدوين السيرة النبوية أن نتناول موضوع المعجزات ونعالجها علميًّا وعقليًّا، كان يقتضي الموضوع أن تدرس القضايا التي أثارتها الفلسفة الحديثة وتعالج نكاتها، فطلبنا من الأستاذ عبد الباري الندوي أن يكتب هذا البحث في ضوء علمه و مطالعته، وكتب بحثًا مستفيضًا أضيف إلى سيرة النبي " . (١)
وقد عده الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله من أبناء الندوة الذين تعتز بهم، قال في كلمة له ألقاها في مناسبة موقرة : " لكل مدرسة أو جامعة رجال تعتز بها، فلندوة العلماء ثلاثة رجال - أبناء - متميزون مثاليون جامعون بين القديم الصالح والجديد النافع، وهم : العلامة السيد سليمان الندوي والشيخ عبد الباري الندوي والشيخ عبد السلام الندوي رحمهم الله . (٢)
كان الشيخ عبد الباري الندوي رحمه الله من أبناء ندوة العلماء الأعلام، ومن تلاميذ العلامة شبلي النعماني، درس الفارسية والإنجليزية والفلسفة بعد تخرجه من ندوة العلماء، وكانت الفلسفة موضوعًا محببًا لديه، وقد درس كتب الفلسفة القديمة على كبار أساتذة عصره كالشيخ شير علي الحيدرآبادي، الذي كان من الأساتذة البارزين في ندوة العلماء، وعكف على دراسة هذا الموضوع، وتوسع فيها بعد تخرجه من دارالعلوم لندوة العلماء، ثم عُني بدراسة الفلسفة الحديثة معتمدًا في ذلك على المراجع الأصيلة بالإنجليزية دراسة جدية عميقة، وزادت من شفغه بهذا الموضوع واشتغاله بعلم الكلام صلتُه بالعلامة شبلي النعماني، واستطاع بذكائه وصلاحيته للتمييز أن يدرك الحدود الفاصلة للفلسفة و العقل، والفارق بين الفلسفة والعلم، الذي كان خافيًا حتى على كبار المثقفين والعلماء في ذلك العصر، فكانوا يخلطون بينهما، ويدل كتابه : [ الدين والعقل ] على صفاء ذهنه وقوة تمييزه، وقد صرح الشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله بعد قراءة هذا الكتاب : " إن هذا الكتاب قلعة حديدية للدين " ، وقد نال هذا الكتاب قبولًا عامًّا واسعًا في الأوساط العلمية، وعُدّ دليلًا لنبوغه العلمي، وكان أثار بعض الناس قضية في الجامعة العثمانية بحيدرآباد ضد الشيخ عبد الباري الندوي رحمه الله في عهد رياسته بقسم الفلسفة، وقالوا إنه لا يحمل مؤهلات علمية أجنبية تعليمية ليشغل هذا القسم، لأنه قد تخرج من جامعة أجنبية، وليس لديه شهادة في الموضوع، فقدم معالي الأمير حبيب الرحمان خان الشيرواني وزير الشؤون الدينية في الإمارة كتاب : " الدين و العلوم العقلية " إلى نظام حيدرآباد، وقال له : " إن شهادته هذا الكتاب، وقد أسلمت الفلسفة على يديه " ، وطلب معالي الأمير حبيب الرحمان رئيس الجامعة آنذاك من نظام حيدرآباد بأن يقرأ سطورًا من الكتاب، ومنذ ذلك اليوم عيّن الأستاذ عبد الباري رئيسًا للقسم . (٣)
لقد وصل الشيخ عبد الباري بعد دراسته الشاملة للفلسفة إلى أنه لا صراع بين الدين والفلسفة، فيقول في كتابه : [ الدين والعلوم العقلية ] : " المراد بالدين الإيمان بما هو فوق الفطرة، ويوجد هذا في سائر الأديان، وأما المراد بالعقل فهو العلم الطبيعي والفلسفة" ، وقال أيضًا : " إن مجال كل من العلم والدين يختلف عن الآخر، فلا صراع . . ، أما الدين فإنه يتعلق بما بعد الطبيعيات، وأما الفلسفة فإنها تتعلق بالطبيعيات " ، فدحض الشيخ عبد الباري نظرة الطبقة المثقفة العصرية التي تقول بانفصال الدين عن العلم الطبيعي، وحقق الصلة بينهما، وخلال دراسته الدينية تضلع من الفلسفة القديمة، التي كان بينها وبين الفلسفة اليونانية القديمة صلة لا تهمل في أي صورة، كما أنه درس الفلسفة الحديثة دراسة أهلته لدحض الأفكار والآراء الباطلة في منهج علمي رصين، وكانت الفلسفة اليونانية مؤسسة على عقلية مناقضة للفكرة النظرية الإسلامية، ولكن العرب حينما أقبلوا على العلم بعد قدوم الإسلام كانت الفلسفة اليونانية قد دهمتهم، فاندهش بها الباحثون، وتأثر بها الدارسون، واستعانوا بها في مجهوداتهم العلمية، فآل كل ذلك إلى أن مال العرب إليها، وغلب طابعها على علومهم، واصطبغت مؤلفاتهم وبحوثهم بصبغتها، فأسفر ذلك عن التناقض بينها و بين الفكرة الإسلامية المقتبسة من الكتاب والسنة، فنهض لها الإمام الغزالي وغيره من أئمة المسلمين وقاوموها أشد المقاومة، ودحضوها حق دحضها، ولما جاء العصر الحديث تكاسل المسلمون عن السعي في المجالات العلمية أكثر مما قاموا به، واستأنفت أوربا في بذل مجهوداتها تجاه تراثها العلمي القديم، الذي وصل إليه عن طريق هؤلاء العرب، وللكشف عما تضمر الحياة في باطنها من أسرار وحقائق وجدت سبيلًا إلى أحدث الاختراعات، وحسبت أن دينها مناقض لعلومها واختراعاتها، وفصلت الدين عن حقائق الحياة بما أسفر عن دبيب الشعور بتجوف الفلسفة الإسلامية في أذهان المسلمين، وذلك لأنهم تأثروا بالفلسفة الغربية ونظرية انفصال الدين عن العلم الطبيعي، بعد أن التحقوا بمعاهدهم ومدارسهم، ودرسوا كتبهم ونظرياتهم، فأدى كل ذلك إلى ضعف الإيمان بحقائق الدين ومعتقداته، فصارت تميل نفوسهم إلى الإلحاد والزندقة شيئًا فشيئًا، وكان ذلك من أعظم التحديات وأخطر التهديدات للإسلام و مزاياه العلمية، إن الشيخ عبد الباري الندوي الذي لم يتضلع من العلوم الدينية فحسب، بل صار أهلًا للاجتهاد والإبداع فيها، ودرس الفلسفة الغربية والعلم الطبيعي دراسة واسعة مستوفية، وحقق تقدم النظرية الإسلامية عليهما ببراعة ونجاح، وأبطل النظرية القائلة بوجود التناقض بين الدين والعلم الطبيعي، فتأثر بذلك أصحاب العلم ولم يجدوا بدًّا من الاعتراف بفضل حقائق الإسلام وصحتها، وقد ألف الشيخ عبد الباري الندوي حول هذا الموضوع المهم كتبًا حظيت بقبول عام في الأوساط العلمية والدينية، منها : " مذهب اور سائنس " ، ( الدين والعلوم ) الذي عرف بجزالة أسلوبه ومتانة دلائله . (٤)
يقول العلامة أبو الحسن علي الحسني الندوي عن هذا الكتاب ( الدين و العلوم ) : " ثم تحرك يراعه فظهر منه كتاب جزل الفائدة كثير النفع سماه بـ "مذهب اور سائنس", وتشرف بإصداره مجمع البحث العلمي ) الإسلامي، لكناؤ، وكتب مقدمته الرياضي الشهير محمد رضي الدين الصديقي، و أثنى فيها على الكتاب. يمتاز الكتاب بأسلوبه الذي سلك فيه مسلك العلامة شبلي، الأسلوب الذي لم يزل تاركًا إياه إلى أمد طويل وهو آخر كتاب ألفه قبل وفاته، يلوح من خلال أسلوبه فكره النير وموهبته الوقادة التي نالها من لدن حكيم عليم" .
وهناك كتب أخرى ألفها في الإيمانيات واليقينيات منها " تجديد دين كامل" ، و " تجديد تصوف " ، و " تجديد تعليم وتبليغ " ، و " تجديد معاشيات" ( تجديد علم الاقتصاد) و " معجزات أنبياء اورعقليات جديدة " (معجرات الأنبياء والعقل الجديد ) و " قرآن کا دو آیاتی نظام صلاح وإصلاح " (نظام الصلاح والإصلاح في ضوء آيتين من القرآن الكريم).
*شغفه بالقرآن الكريم*:
كان مهتمًا بالقرآن الكريم تلاوة له، وتدبرًا في معانيه، وخدمة لإيصال رسالته إلى عموم الناس، حتى كان انصرف كليًّا إليه، وكان يلقي دروسه في مسجد حيه، التي كان يحضرها عدد كبير من أهل العلم والطلاب والأساتذة للمدارس والكليات، يتحدث الشيخ أبو الحسن الندوي عنها، فيقول : " و كنا نجد دروسه مليئة بنكات لطيفة ومعاني بديعة، إذا جلسنا نشرحها، امتلأت بها صفحات، وكانت منها رسالة بل كتاب، ولا تحتفظ ذاكرتي بشيء منها، إلا أنني انتفعت بها كثيرًا، وزدت إيمانًا بعظمة القرآن الكريم، وتصديقًا بإعجازه " . (٥)
*اهتمامه بالجانب الروحي*:
رغم ما كان يتمتع به الشيخ عبد الباري الندوي بمكانة علمية مميزة وشهرة واسعة مغبوطة .. لم يتغافل عن الاهتمام بالجانب الروحي من تزكية النفس وتطهير الباطن، فاتصل بشيخ التربية الروحانية الأكبر في عصره رحمه الله للاسترشاد وإصلاح النفس، فاستفاد من صحبته وتربيته وكتبه ما شاء الله أن يستفيد، ولم يكتف بذلك، بل قام بشرح علومه وأفكاره الروحية العرفانية والسلوكية شرحًا يستسيغه أهل العصر، ويقبلونه في قناعة ذهن وانشراح صدر، وألف كتبًا في بيان أسرار علم التصوف الذي ليس إلا تعبيرًا عن : " الإحسان " الذي ورد ذكره في حديث جبريل المشهور، وقد لعبت هذه الكتب دورًا لا يستهان به في دفع الشكوك والشبهات التي تعتري أذهان البعض تجاه التصوف .
*بعض صفاته*:
كان ملتزمًا بالدين أشد ما يكون الالتزام، ورعًا تقيًّا، آخذًا بالجد والصرامة في الدين، لا يقبل أي تهاون أو تساهل فيه، يربي أولاده على الأخلاق الإسلامية، ويؤدبهم بآداب الإسلام، ولا يتحمل منهم أي تقصير في القيام بالفرائض واتباع السنة، حتى أنه كان يهددهم بإخراجهم من البيت، إذا صدر منهم أي تقصير في أمر من أمور الدين، وفعلًا أخرج أحد أبنائه حينما حلق لحيته، وقال له : " لا تدخل بيتي، ولا ترني وجهك " .
كان جريئًا صريحًا يجهر بالحق، ولا تأخذه في الله لومة لائم، و كان لا يستحسن حفلات العزاء، ويسميها : " الأعراس العصرية " ، التي تقام عند قبر ولي من أولياء الله بمناسبة يوم ولادة أو وفاة يومه، وهذه الأعراس يقيمها - طبعًا - المبتدعة.
شارك ذات مرة في حفل زواج أقيم في بيت أحد العلماء، وخلال الحفل جاء وقت الصلاة، فذهب معظم الحضور إلى المسجد، وصلوا، ولكن العريس ظل جالسًا، ولم يصل، فقال الشيخ عبد الباري للعالم : لم زوجت بنتك تارك الصلاة ؟
كان يتحمس غيرةً وحمية للدين، لا يتحمل أي إساءة إلى الدين والعقيدة، سأل الشيخُ محمود حسن الحسني الندوي رحمه الله والدي فضيلةَ الشيخ محمد برهان الدين السنبهلي رحمه الله (٦) عن أبرز خصائص الشيخ عبد الباري الندوي رحمه الله، فقال : " أبرز خصائصه الحمية الدينية التي لم تضعف قط، ولم تتغلب عليها صفة أخرى " . (٧)
*رسالته إلى بنته*:
لعله من المناسب أن ننقل هنا رسالته، التي وجهها إلى بنته، والتي تنم عن مدى حرصه على تحلى أولاده بالأخلاق الفاضلة، والالتزام التام بالآداب الإسلامية، والانتهاء عن كل ما يغضب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم :
« قرة عيني وفلذة كبدي أمة الباري سلمك الله .
إن الله تعالى أكرم عبده العاصي هذا - أباك - من العز والراحة ونعيم الدنيا بما لم يكرم به آلافًا من عباده، ولكنه لم يجعلني قط - منذ أفاض علي بالتفقه في شيء من دينه - خصمًا لكافر أو فاسق فاجر أنافسه في دنياه لنفسي أو لكم أهل بيتي .
إن التعليم العصري الحديث - في المدارس العصرية - الذي نصدع به نحن المسلمين - اسمًا - ونجري وراءه كما يجري الذئب وراء فريسته . . حراصًا على الدنيا، طامعين في المادية، ( إن هذا التعليم ) لا يليق بالأبناء فضلًا عن البنات، وذلك لأنه تعليم البطن والمعدة، وتعليم المادية وإرضاء الشهوات، تعليم يدمر الإيمان ويفسد الدين، كأنه صفقة يبيع بها الإنسانُ دينهَ وإيمانهَ، والمرأةُ عرضَها وغيرتَها، ولا يجمل بنا أن نحاكي الناس في ذلك، فإن بعضهم يقلد غيره، فمثلهم كمثل طاعون إذا أصاب أحدًا، تعدى إلى غيره، حتى يلف المنطقة بأسرها، أعاذنا الله من هذا التعليم الذي لا نرضى به هدفًا أو وسيلة، ولا نؤثره على الإيمان، ولا نبيع به ديننا، ولو عُوِّضنا عنه سيادةَ العالم كله، هنيئًا لنا المجاعة إذا فررنا بإيماننا، وحبذَا لنا الفقر إذا سلم لنا ديننا .
واعلمي أنني رأيت كثيرًا من الأثرياء والمثقفين بالثقافة العليا عن كثب، فلم أجد عندهم إلا أن أسباب الدنيا قد أغدقت عليهم من الأثاث والرياش الفاخر، والقصور الشامخة والسيارات الجديدة، ولكنهم سُلبوا السعادة والهدوء، وحرموا طمأنينة القلب وراحته، إلا من عمر قلبه ذكر الله، فيطمئن قلبه قدر ما يذكر الله، ووجدتُ المؤمنين الربانيين من سكان الأكواخ والفقراء المتقشفين يذكرون الله بما لا يذكره أصحاب القصور والأغنياء، واقرئي باب : " حياة طيبة " من كتابي : " تجديد تصوف " ، إن الله أعطاك من زينة الدنيا ونعمها ما لم يعطه كثيرًا من الناس، لا تكثري من التمتع بها، فإنها لا تنفع إلا أيامًا معدودات .. وإن كانت غالية جدًّا .
واعلمي - وهذا خير لك في الدنيا والآخرة - أن أفضل الحلي كتاب : " بهشتي زيور " ( حلية الجنة ) للشيخ أشرف علي التهانوي رحمه الله، واعلمي أن العلم بما يرضي الله ورسوله، وبما يسخط الله ورسوله، وبما يصيبنا من ضراء أو سراء، أو ما ننال من أجر دائم أو عذاب أليم في الآخرة، هو العلم الرئيسي الصادق الحق، هذا العلم هو الذي يصلح به ديننا، وبقدر ما تهتمين بهذه الزينة أنت وزوجك أو أحماؤك أو جيرانك معًا، تصلح دنياكم، ومن فعله ذلك سبه الناس، ووجدوا عليه، وكرهوا صنيعه، ولكن الله يرضى عنه .
فعليكِ أولًا - وفي كل حال - أن تحلي نفسك بهذه الحلية، وألا يصدر منك شيء مما يغضب الله ورسوله، وأطيعي زوجك، فإن في طاعته طاعة الله، درِّسي - أينما كنت - " بهشتي زيور " ، واقرئي عليهم شيئًا منه كل يوم ولو نصف ساعة، سيجزيك الله سبحانه أحسن الجزاء وأجزله، ويوفقك للعمل بما جاء فيه إن شاء الله .
وآخر وصية لك من أبيك أن تتقي الله كل حين وفي كل حال .. وتؤثري الآخرة على متاع الدنيا ونعيمها الزائل، وتقاليدها وأعرافها، وأي حمق أكبر من إيثار الدنيا على الآخرة » . (٨)
*رأيه عن جماعة الدعوة والتبلبغ*:
كما لا يخفى عن أحد أن لهذه الجماعة المباركة جهودًا عظيمة في نشر الدعوة إلى الله، وإصلاح حياة مئات الآلاف من الناس، تعالوا نسمع ماذا قال الشيخ عبد الباري الندوي رحمه الله عن هذه الجماعة :
" لا أبالغ إذا قلت إن جماعة الدعوة والإصلاح، التي أسسها الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي رحمه الله، أقرب جماعات المسلمين سيرًا على منهج النبوة وطريق الأنبياء القويم السديد، وكسبت - بحسن حظها - علماء شبابًا مشبوبي العواطف متوقدي العزائم، لم يتعلموا الفقه في الدين من الكتب فحسب، بل أخذوه - أيضًا - من ملازمتهم صحبةَ الشيخ إلياس - رحمه الله - وأمثاله من العلماء الراسخين في العلم، وقطعوا صلتهم عن الحكومة والسياسة، وبذلوا نفوسهم ونفائسهم في سبيل الدعوة إلى الله وإصلاح المسلمين عن طريق الأمر بالمروف والنهي عن المنکر، كما أنهم لم يغنوا أنفسهم عن إصلاحها وتربيتها، ولذلك ظلوا سالمين من الاجتهاد والتجدد والاستبداد بالرأي، والفتن التي تمزق شمل الأمة المسلمة، رغم أنهم لم يتخلفوا عن الجماعة الإسلامية ذكاء وفطانة، وكتابة وخطابة واطلاعًا على الاتجاهات والعلوم الجديدة، وعلمًا بالأوضاع الراهنة .
هذا . وإن أعظم ما ينقصها أن أصحابها ركزوا على إحياء الإيمان وترسيخه وتجديده، وأما جانب العمل الصالح فلم يهتموا منه إلا بالصلاة والصوم، حتى ظن كثير من الناس أنها حركة الصلاة والصوم فحسب، وأهملوا جوانب مهمة من الدين وأغفلوا أهم نواحي الشريعة، وهي التي يقوم عليها صرح الحياة الإسلامية من الاتصال بين العبد وخالقه، والحقوق والمعاملات، والتصرفات والسلوكيات، والأخلاق والمعاشرة، فلم تول الجماعة كل ذلك العناية اللائقة به، وبدونه يصبح الإيمان ناقصًا غير كامل، أو بمنزلة الجثة الهامدة التي لا روح فيها، أو الشجرة التي لا أصل لها، إن الإيمان والعمل الصالح جزءان لا ينفك بعضهما عن بعض، ويستمد كل واحد منهما حيويته ونشاطه، ونضارته وطراوته، وقوته واستقامته من الآخر، فإنهما بمنزلة الجسد والروح، وكمال كل واحد منهما منوط بالآخر، فلا تكتمل روح الإيمان إلا بالعمل الصالح، ولا رسوخ ولا إخلاص في الإيمان ما لم يظهر بالعمل الصالح " . (٩)
*معلومات أخرى مهمة عن الشيخ عبد الباري الندوي*
- ولادته : ١٨٨٩م - ١٣٠٦ھ .
- التحق بندوة العلماء ١٩٠٢م .
- درّس في كلية دكن بـ : " بونه " وبكلية في كجرات.
- عمل أستاذًا للفلسفة، ثم رئيسًا لقسم الفلسفة في الجامعة العثمانية بحيدرآباد.
- قام بأداء الحج ١٩٢٨م برفقة الأستاذ الكبير عبد الماجد الدريابادي والشيخ مناظر أحسن الكيلاني رحمهم الله تعالى .
- توفي ١٩٧٦م - ١٣٩٦ھ ۔
كان أوصى أن يقوم بتغسيله والدي الشيخ محمد برهانُ الدين السنبهلي رحمه الله والرجل الصالح الحافظ أستاذي الجليل الشيخ محمد إقبال رحمه الله - رئيس قسم تحفيظ القرآن الكريم بندوة العلماء سابقًا - الذي أكملت على يديه حفظ القرآن الكريم .
من أبرز مؤلفاته :
١- مبادىء العلم الإنساني( بالأردية ) ، هذا الكتاب ترجمة كتاب بركلى : principles of Human KnowLedge
٢- سيرة بركلى وفلسفته ( بالأردية ) .
٣- مذہب وعقلیات الدين ( بالأردية ) قام بتعريبه الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي رحمه الله باسم : ( الدين والعلوم العقلية )
٤- معجزات الأنبياء والعقل الجديد( بالأردية )
٥- محتويات علم النفس .
٦- دروس من الحياة( بالأردية )
٧- كلاميات العلوم ( بالأردية)
٨- تجديد دين كامل ( بالأردية)
٩- بين التصوف والحياة ( بالأردية )
١٠- تجديد التعليم والدعوة( بالأردية )
١١- تجديد علم الاقتصاد ( بالأردية )
١٢- نظام الصلاح والإصلاح في ضوء آيتين من القرآن ( بالأردية )
١٣- تجديد علم الكلام .( بالأردية)
١٤- الدين والعلوم بالأردية
من أبرز أساتذته :
١- العلامة شبلي النعماني
٢-الشيخ شير علي الحيدرآبادي ( إمام الفلسفة في عصره ) .
من أبرز تلامذته:
١- الشيخ أبو الحسن الندوي .
٢- الدكتور رضي الدين الصديقي.
٤- الدكتور البحاثة حميد الله الحيدرآبادي .
٥- الدكتور مير ولي الدين الحيدرآبادي .
الهوامش :
(١) سيرة النبي للعلامة السيد سليمان الندوي، من المقدمة( ج ٣) .
(٢) الشيخ محمود حسن الحسني الندوي : الشيخ عبد الباري الندوي ( تعريب الأستاذ عطاء الرحمان بن حفظ الرحمان الندوي ) ص: ٨٣ ، الطبعة الأولى ١٤٣٧ھ - ٢٠١٥م ، المجمع الإسلامي العلمي، لكناؤ، الهند .
(٣) انظروا مقدمة الشيخ أبي الحسن الندوي لكتاب: " الدين و العلوم العقلية" للشيخ عبد الباري الندوي .
(٤) انظروا : " الشيخ عبد الباري الندوي " لمحمود حسن الحسني رحمه الله ( من مقدمة الشيخ محمد الرابع الحسني للكتاب ) .
(٥) أيضًا: ١٨١ .
(٦) أحد أعلام علماء الهند، درّس أمهات كتب التفسير والحديث والفقه في ندوة العلماء نصف قرن، توفي ٢٠٢٠م .
(٧) مؤلَّف الشيخ محمود الحسني، ص : ٢٢٠ .
(٨) بتعديل يسير من المصدر السابق، ص : ٢٩١ - ٢٩٣ .
(٩) بتعديل يسير من المصدر السابق : ٢٨٤- ٢٨٥ .
( الخميس : ٢ من ربيع الآخر ١٤٤٧ھ = ٢٥ من ستمبر - أيلول - ٢٠٢٥م ) .
تعليقات
إرسال تعليق