لماذا انحطت : ( خير أمة ) .. ؟ وهل ترتفع كرة أخرى ... ؟ الحلقة : (١)

 من وحي الأيام : 

لماذا انحطت : ( خير أمة ) .. ؟

وهل ترتفع كرة أخرى ... ؟


[ دراسة موضوعية في ضوءالكتاب
 و السنة، وآراء رجالات الأمة ]


الحلقة : (١)

                                 

محمد نعمان الدين الندوي 
لكناؤ، الهند 

كانت الأمة الإسلامية قد استوت على عرش العظمة والعز والقيادة عن جدارة واستحقاق، وارتفعت إلى مناط السماء الأعلى، ووصلت هامتها إلى الثريا، وبلغت من مراقي الصعود ومطالع النهوض ومراتب السعود ما لا يحتاج إلى دليل، كما لا تحتاج الشمس والقمر في وجودهما إلى تدليل أو توضيح، ومن طالب بذلك، ضحك الناس على عقله، أو عدّوه أعمى العميان ... ، ولعل كلمة : " العمى" قاصرة عن بيان عماه الشامل المطبق العجيب .

وليس يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل 

فازدهار الحضارة الإسلامية وسعة الرقعة الإسلامية في القرون الماضية شيء لا يتجرأ على تجاهله أو إنكاره أجهل الجاهلين أو أجحد الجاحدين، فضلًا عن البصراء الخبراء الواعين، وحقيقة لا يكابر فيها مكابر، ولا يجادل فيها مجادل، حقيقة كحقيقة " الحياة " نفسها، أو " الليل " و " النهار " و " الكواكب " و " النجوم " و " الأرض " و " السماء " .

اسألوا ديار الشام وسواد العراق ورياض الأندلس، ووادي مصر، وفيافي الجزيرة، وبطاح إفريقيا، وربوع العجم، وبلاد الهند، وأرجاء الصين ومعالم الدنيا كلها عن تاريخنا وأمجادنا وعلومنا وحضارتنا وقيمنا وأخلاقنا، وبطولاتنا وتضحياتنا .
إن أسلافنا هم الذين هذبوا النفوس، وهدوا القلوب، ورقوا الحضارة، وابتكروا العلوم والفنون، ونشروا المعارف " .

كانوا ملوكًا سرير الشرق تحتهم 
فهل سألت سرير الغرب ما كانوا 
عالين كالشمس في أطراف دولتهم
في كل ناحية ملك وسلطان

فالإسلام قد وثب بالمسلمين وثبة هائلة، وهذه الوثبة الهائلة كانت - طبعًا - على إثر إشعاع القرآن الكريم في آفاق الأرض، فأنارها بعد ظلمة، وهدى الإنسانية بعد حيرة، ونظمها بعد اضطراب، وفتق أذهان أبنائها بعد ارتقاق، وأزال الأصفاد والقيود التي كانت تقف حجر عثرة أمام الفكر والتقدم .
هذا كله في الوقت الذي كانت فيه أوربا تعيش في ظلمات الجهل والفوضوية والأمية والهمجية والتأخر، ولم ينقذ أوربا من ورطتها التي كانت واقعة فيها إلا حضارة المسلمين .

*نماذج من الإسهامات والإبداعات الحضارية والعلمية لعلماء المسلمين* :
وهنا ينبغي أن نقدم إسهامات لعلماء المسلمين كنماذج :
١- أبو البركات هبة الله بن ملكا البغدادي ( ٤٨٠ - ٥٦٠ ھ ) المعروف بأوحد الزمان مكتشف القانون الثالث للحركة : ( لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ) ويظهر ذلك في كتابه ( المعتبر في الحكمة ) وليس نيوتن كما يدعي علماء الغرب .
٢- اكتشف ابن يونس الصدفي المصري (المتوفى سنة ٣٩٩هـ ) الرقاص الذي نسب لغاليليو، كما أنه يعتبر من الممهدين لعلم اللوغاريتمات، وذلك باكتشافه المعادلة [ جتا أجتاب = ١/٢ جتا (أ +ب) + ١/٢ جتا (أ - ب). وليس كما يزعم علماء الغرب زورًا أن جان نابيير اسكتلندي الأصل ( ١٥٥٠ - ١٦١٧ ميلادية) هو مخترع علم اللوغار يتمات.
٣- عمر الخيام ( ٤٣٦- ٥١٧ ھ ) واضع اللبنات الأولى لعلم الهندسة التحليلية، وليس ريني ديكارت ( ١٠٠٥ - ١٠٦٠ ھ ) ، وذلك بحله المعادلات ذات الدرجة الثالثة باستخدام القطوع المخروطية، فحصل على جذر المعادلة بإيجاد الأحداث السيني لنقطة تقاطع قطع مخروطي مع دائرة أو تقاطع قطاعين مخروطين، كما أولى عمر الخيام عناية خاصة لتصنيف المعادلات حسب درجاتها، وحسب الحدود التي فيها، محصورة في( ٢٥) نوعًا، ومن المؤسف حقّا أن علماء الغرب ينسبون هذا التصنيف لسيمون استيفن( ١٥٤٨ - ١٦٢٠م ) هولاندي الأصل .
٤- أبو بكر الكرخي ( المتوفى ٤٤١ھ ) الخليفة الوحيد ليديو فانتوس في علم الحساب ، ابتكر مثلث معاملات نظرية ذات الحدين، ولكن الغرب نسبوا هذا الابتكار للعالم الفرنسي بإسكال ( ١٦٢٣- ١٦٦٢م ) ، واتضحت هذه الحقيقة لعلماء الرياضيات بعد العثور على كاتب صيني اسمه ( المرآة الثمينة للعناصر الأربعة ) للكاتب الصيني تشويشي كي( ١٣٠٣ م ) والذي شرح فيه طريقة إيجاد معاملات نظرية ذات الحدين باستخدام مثلث الكرخي لمعاملات نظرية ذات الحدين، كما ذكر نصير الدين الطوسي( ٥٩٧ - ٦٧٢ھ ) مثلث الكرخي لمعاملات نظرية ذات الحدين في مؤلفاته العديدة، ولم يترك السمؤل المغربي مجالًا للشك في كتابه الباهر في الجبر الذي حققه كل من صلاح أحمد ورشيد راشد أن الكرخي مبتكر مثلث معاملات نظرية ذات الحدين، والكرخي صاحب نظرية ( مجموع مكعبين لا يكون مربعًا ) وليس فرما ( ١٦٠١- ١٦٦٥م ) العالم الفرنسي الذي تنسب له هذه النظرية .
٥- محمد بن موسى الخوارزمي ( ١٦٤ - ٢٣٥ھ ) مؤسس علم الجبر، وهو أيضًا أول من أوحى في المحددة التي طورها العالم الياباني سيكي كاو ( ١٦٤٢ - ١٧٠٨ م ) ، ولكن علماء الغرب يصرون كالعادة على أن العالم الألماني ليبنز هو مبتكر المحددة، وطبقها في العلوم التطبيقية العالم الفرنسي أوقستين كوشي ( ١٧٨٩ - ١٨٥٧م ) .
٦- أثبت ويفيد كنج إنجليزي الأصل عام ١٩٧٠م أن معظم نظريات العالم البولوني كوبر نيكس ( ١٤٧٣ - ٢٥٤٣ م ) في علم الفلك مسروقة من إنتاج أبي عبد الله البتاني( ٢٣٥ - ٣١٧م ) الذي ابتكر الكثير من الدوال، والمتطابقات المثلثية.
٧- أبو الفتح الخازني ( المتوفى ٥٥٠ھ ) اشتهر بكتابه( ميزان الحكمة ) الذي يحتوي على علم الميكانيكا والهيد روستا نيكا، وسبق الخازني تورشيلي في الإشارة إلى مادة الهواء ووزنه، وأشار إلى أن للهواء وزنًا وقوة رافعة كالسوائل، وأن وزن الجسم المغمور في الهواء ينقص عن وزنه الحقيقي، وأن مقدار ما ينقصه من الوزن يتوقف على كثافة الهواء، كما بين الخازني أن قاعدة إخميدس لا تسري فقط على السوائل، ولكن تسري أيضًا على الغازات، وبذلك فقد مهد لاختراع البارو متر ( ميزان الضغط ) ومفرغات الهوى والمضخات، لذا فقد سبق الخازني كلًّا من تور شيلي وبويل وباسكال .
٨- انتحل العالم الألماني ريجيو مونتانس ( ١٤٣٦ - ١٤٧٦م ) المشهور في علم المثلثات، والذي كتب أول كتاب في هذا المجال ( ١٤٦٤م ) :" نظريات أبي الوفاء البوزجاني( ٣٢٨- ٣٨٨ھ ) في علم المثلثات " .
٩- أول من تكلم عن دوران الأرض بوضوح الشريف الإدريسي ( ٤٩٣- ٥٦٠ ھ ) ، ولكن علماء الغرب ينسبون هذا لكوبر نيكس .
وباختصار .. فإن الحضارة الإسلامية و العربية سجل تاريخي يوضح تطور العقل البشري، فهي و إن كانت امتدادًا للحضارات السابقة، إلا أنها حضارة ذات معالم متميزة ومفتوحة وليست منغلقة على نفسها كالحضارة الغربية خلال العصور الوسطى .

*شهادات الغربيين بازدهار حضارة المسلمين* :

ولقد سجل التاريخ آيات هذه الحضارة الإسلامية، وشهد بها المنصفون من فلاسفة العالم ومؤرخيه، الذين لا يبغون من بحوثهم ودراساتهم إلا مرضاة العلم في ذاته :
تقول الكاتبة الألمانية الدكتور سيجريد هو نكه : " إن أوربا تدين للعرب، وللحضارة العربية، وأن الدين الذي في عنق أوربا وسائر القارات للعرب كبير جدا " ، وقال العلامة دريبر ( المدرس في جامعة هار فرد بأمريكا ) في كتابه : ( المنازعات بين العلم والدين ) : " إن نتائج هذه الحركة العلمية تظهر جليًا بالتقدم الباهر الذي نالته الصناعات في عصر المسلمين، فقد استفادت منها فنون الزراعة في أساليب الريّ والتسميد وتربية الحيوانات، وسنن النظم الزراعية الحكيمة، وإدخال زراعة الأرض وقصب السكر واللبن " .
وقد انتشرت معامل المسلمين ومصنوعاتهم لكل نوع من أنواع المنسوجات كالصوف والحرير والقطن، وكانوا يذيبون المعادن، ويجودون في عملها على ما حسنوه وهذبوه من سبكها وصبغها، وإننا لندهش حين نرى في مؤلفات المسلمين من الآراء العلمية ما كنا نظنه من نتائج العلم في هذا العصر .. وأن جامعات المسلمين كانت مفتوحة للطلبة الأوروبيين الذين نزحوا إليها من بلادهم لطلب العلم، وكان ملوك أوربا وأمراؤها يفدون على بلاد المسلمين ليعالجوا فيها .
ويعرف المطلعون على تاريخ العباقرة من المسلمين من واضعي علوم الجبر والمقابلة والكيمياء، ومخترعي البندول والبوصلة والساعة الدقاقة، التي أهداها الرشيد إلى شار لمان ملك فرنسا، ففزع منها سامعوها فزعًا شديدًا، وسموها شيطانًا رجيمًا، أو آلة سحرية، أو مكيدة عربية، إلى كثير من أمثال هذه الآثار والمفاخر الإسلامية . (١) 


( للمقال بقية ) 

الهوامش :
(١) آفاق إسلامية : الدكتور أحمد عبد الرحيم السريح، مجلة الداعي، العدد : ١١ ، السنة : ٢٤ ، ذو القعدة ١٤٢١ھ ۔

( ليلة الأحد : ١٩ من جمادى الآخرة ١٤٤٦ھ = ٢١ من ديسمبر - كانون الأول - ٢٠٢٤م )

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلامة السيد سليمان الندوي

سلام على صاحب التضحية الكبرى

كان الوستانوي أمة وحده