رابطة الأدب الإسلامي العالمية

 على مائدة العلم والأدب :

رابطة الأدب الإسلامي العالمية


محمد نعمان الدين الندوي 
لكنؤ، الهند 

[ *أيها القراء الأفاضل !*

*السلام عليكم ورحمة الله وبركاته* 

*وبعد* .
 *فيسعدني أن أحرر هذه السطور بمناسبة انعقاد المؤتمر السنوي الأربعين لرابطة الأدب* *الإسلامي العالمية - قسم شبه القارة الهندية - الذي تستضيفه جامعة* *الهداية، بجيببور، في الفترة : ١٢ - ١٤ جمادى الأولى ١٤٤٦ھ الموافق : ١٥ - ١٧ نوفمبر ٢٠٢٤ م تحت عنوان : « الشيخ محمد عبد الرحيم النقشبندي المجددي : حياته وخدماته »* .. ]

 * * * 

 سماحة الشيخ الإمام العلامة « أبو الحسن علي الحسني الندوي » و « رابطة الأدب الإسلامي العالمية » اسمان متلاحمان متضامّان .. أو قل : جزءان لا يتجزءان .. لا يمكن - بل لا يجوز - فصل أحدهما عن الآخر .. إذا ذكر أي منهما، تبادر إلى الذهن الآخر .. 
بل أتقدم خطوة أخرى .. وأقول إن « العلامة الندوي » و « رابطة الأدب الإسلامي العالمية » و « ندوة العلماء » ترابُطٌٌ ثلاثي أساسي كريم، لكل منه شأنه .. ودوره .. وحظه .. وعلاقة بعضه ببعضه الآخر، علاقة إحكام وتعاون وتقوية مشتركة .. في إرساء قواعد الأدب الإسلامي - كنظرية ومصطلح - والتعريف به، وتوسيع نطاقه .
وذلك لأن سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله أول من لفت الأنظار إلى « الأدب الإسلامي » كمصطلح و كفكرة وكنظرية .. و إلى ضرورة تبنيه كدعوة يُدعى إليها، وندب رجال الأدب خاصة - والعرب منهم بصفة أخص - إلى احتضانه، والاهتمام بنشره على أوسع نطاق ..
صحيح أن « الأدب الإسلامي » كان موجودًا، ومعنيًّا به من قِبَل أهل العلم و رجال الأدب، فقد وُجد منذ أن بدأ نزول القرآن الكريم الذي يعتبر - بحق - المثل الأعلى للأدب الإسلامي، وإن كان هو - القرآن الكريم - في نفسه أسمى وأعلى وأعظم من الأدب .
ويلي القرآنَ الكريمَ الحديثُ الشريف في سمو البيان وروعةِ التعبير وقوةِ الكلام، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أفصح وأبلغ من نطق بالضاد، بل كان أفصح البشر على الإطلاق.
ثم الكتب والمؤلفات زاخرة بالنماذج العالية من الكتابات الساحرة، الجديرة - كل الجدارة - بتصنيفها ضمن : « الأدب الإسلامي » .
فـ : « الأدب الإسلامي » كان موجودًا، ولكن وجوده كان أخفى .. أو غير واضح ولا ظاهر ولا بارز .. أو كان مطمورًا تحت الركام، غير ملتفَتٍ إليه، أو كان على الهامش .. ، فلم يوفّ حقه من الإنصاف والاعتراف ..
فألهم الله تعالى شيخنا الندوي أهمية هذا الأمر، وشرح صدره له، وقيضه لهذه المهمة المباركة، مهمة استلفات الأنظار إلى أهمية « الأدب الإسلامي » وقيمته، ودوره في جذب الناس إلى الإسلام ودعوته، فكلما كانت الدعوة بأسلوب أقوى وكلام أجمل، كان التأثير أكثر وأعظم، فلا يُرفض أثر الكلام الجميل والبيان الرائع ..
فمن هنا .. كان كل نبي فصيحًا بليغًا، متمكنًا من لغة قومه، حتى تكون دعوته أكثر تأثيرًا في النفوس، وجذبًا للقلوب، وأنفذ في العقول، فقوة الكلام من أولى دعامات النجاح لأي دعوة أو فكرة .. 
فالعلامة الندوي رحمه الله له دوره الرئيسي في رفع لواء « الأدب الإسلامي » - كنظرة ومصطلح - والدعوة إلى العناية به - عناية يستحقها - في قوة وحماس واهتمام، وفي إثبات أن الأدب الإسلامي ليس بأقل قيمة وروعة وتأثيرًا من الآداب الأخرى، بل إذا قلنا إنه - الأدب الإسلامي - أعظم منها قيمة، وأشد منها أثرًا، وذلك لأنه - الأدب الإسلامي - يستمد قوته وجماله وتأثيره من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف .. إذا قلنا ذلك، لما تجاوزنا الصواب ..
عفوًا على الاستطراد .. كنت أتكلم عن الترابط الثلاثي الكريم . وبقي أن أتحدث عن علاقة ندوة العلماء برابطة الأدب الإسلامي العالمية، فمن منبر ندوة العلماء ارتفع أول نداء إلى الرابطة، فقد كانت انعقدت أول ندوة عالمية للأدب الإسلامي في رحاب ندوة العلماء تحت رعاية العلامة الندوي رحمه الله سنة ١٤٠١ھ - ١٩٨١م، وكان حضرها طائفة كبيرة من أعيان الأدب وأعلام الفكر ورجال العلم من داخل الهند وخارجها مثل الأديب الكبير الشيخ عبد الرحمن رأفت باشا ( مؤلف : صور من حياة الصحابة ) و الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ( مؤلف: روائع من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ) و الكاتب السعودي الكبير عبد العزيز الرفاعي، كما كان شارك في الندوة وفد رفيع المستوى من جامعة الأزهر الشريف برئاسة وزير الأوقاف وشؤون الأزهر .
واستمرت فعاليات الندوة ثلاثة أيام، وكانت أياما مباركة خصبة، قدمت فيها الدراسات القيمة حول الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال ، وكانت تتخللها مناقشات جادة طريفة ممتعة، وكنت آنذاك أدرس في السنة الثانية - الدراسات العليا - من قسم الحديث الشريف بندوة العلماء، فكنت أحضر جلسات الندوة في شوق واهتمام كببرين، وأستمتع بمداولات الندوة من البحوث والمقالات والتعليقات، وإن ننس فلن ننسى من مشاركي الندوة مُقَدِّمَها ومديرَ جلساتِها في لباقة وأدب ووقار ، لن ننسى حلاوة لفظه وجمال نطقه إذا حدث .. ، وكأنه كان يُسَكُّر آذاننا ويحليها إذا نطق .. والحقيقة أن للاستماع لكلامه كان حلاوة، وللإنصات إلى حديثه كان طلاوة .. فما سمعت - قط - لحنًا أحلى ولا صوتًا أجمل من لحنه وصوته، وكأن اللسان الذي كان ينطق هذا النطق الرائع الحلو الجميل كان لسانًا مطهرًا مغسلًا بماء الكوثر والتسنيم .. ،فكنا - خلال جلسات الندوة - ننتظر سماع كلامه المشوق الماتع الرائع، وخاصة حينما كان ينطق بكلمة : « فليتفضل مشكورًا - في إيقاع صوتي ساحر، ولحن جميل آسر، وجرس بياني باهر - فلا تسألوا عن حسن أدائها، وحلاوته وروعته وجماله .. وكأنه كان يصب في آذاننا الحلاوة التي لم يكن لها عهد بها قط ، وقد ظلت هذه الكلمة: « فليتفضل مشكورًا » يمتع صداها أسماعنا مدة طويلة، وكنا نحاول محاكاتها لحسنها، وكان هذا المقدم الجليل فضيلة الشيخ عبد الرحمن رأفت باشا رحمه الله ... الذي لا يمكن أن تمحي صورته الحلوة الطيبة عن ذاكرتنا، كأنه - رحمه الله - كان فطر من طينة كان مزاجها من حلاوة وطِيْبَة .. فكان صوته ووجهه النوراني ولحنه ولقاؤه ومرآه ومشيته .. كل ذلك كان حلوًا وطيبًا وجذابًا وخلابًا .. 

مرة أخرى استطرد الكلام .. فالذي أريد أن أقول .. إن هذه الندوة العالمية الأولى للأدب الإسلامي التي دعا إليها العلامة الندوي رحمه الله ، وعقدت في ندوة العلماء، كانت أسفرت عن قرارات وتوصيات هامة، من أهمها : العمل على إنشاء منظمة عالمية تعنى بالأدب الإسلامي، وتجمع الأدباء الإسلاميين على رصيف واحد .. 
هذا فيما أذكر وعلى ما بقي عالقًا بذاكرتي .. فقد مضى على ذلك أكثر من أربعين سنة .. 
فتنفيذًا لتوصية الندوة المشار إليها .. تم تأسيس : " رابطة الأدب الإسلامي العالمية " سنة ١٤٠٥ھ - ١٩٨٤م ، واتفقت كلمة الأدباء من جميع أنحاء العالم الإسلامي على أن يكون العلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله رئيسًا للرابطة،فهو الأحق والأجدر بذلك، ولم يزل العلامة الندوي رحمه الله رئيسها إلى وفاته ١٩٩٩م .
ومما يسعدنا - نحن المنتمين إلى الأدب الإسلامي - أن الرابطة نجحت - والحمد لله - في تحقيق أهدافها العظيمة نجاحًا تخطى القياس، وكل ذلك بفضل الله تعالى، ثم بجهود حضرات القائمين على الرابطة النشطاء الأفاضل .
ومما ينبغي تسجيله والاعتراف به أن إسهام إخواننا الأدباء العرب في تقوية مسيرة « الأدب الإسلامي » إسهام متميز مشكور يستحق كل إشادة وتقدير، فلهم من الفضل والسبق والجهد - في هذه المسيرة الأدبية العالمية المباركة - ما لا يخفى، ويجدر بأن يسجل بأحرف من النور والخلود، فجزاهم الله خير الجزاء. (١)

                                    -------

(١) كل ما ذُكر في المقال عن الرابطة، كُتب على أساس ذاكرة الكاتب ومعلوماته، ويعبر عن رأيه الشخصي .

( الأحد : ٣٠ من ربيع الثاني ١٤٤٦ھ - ٣ من نوفمبر ٢٠٢٤ م‌ )

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلامة السيد سليمان الندوي

سلام على صاحب التضحية الكبرى

كان الوستانوي أمة وحده