عيد الحياة أو : عيد الأعياد . . !
من وحي الأيام :
عيد الحياة أو : عيد الأعياد . . !
محمد نعمان الدين الندوي
لكناؤ، الهند
العيد يعود كل سنة ، و الإنسان يمر به العيد مرات - حسب سنوات عمره - .
والعيد أكبر رمز للفرحة و السرور، و السعادة و الحبور . . يأتي كل سنة ليعيد إلى الإنسان المجهود المكدود . . الإنسان المتألم . . الإنسان الكادح في سبيل الحياة . . الإنسان المثقل بأنواع من المشاق و المتاعب . .. ليعيد إليه بشره و هناءه ، و ابتسامته و سعادته ، أو قل : ليجدد بشره و هناءه ، و يخفف من معاناته و آلامه ، و يقلل من منغصات حياته و معكرات صفائه . . ليجدد له معنى الحياة . . ليملأ الإنسان حيوية و طراوة ، و نضارة و سعادة . . لينسيه - و لو لساعات معدودات - متاعب الحياة ، و آلام الطريق ، ليزوده بالفرحة القلبية . . والطمأنينة النفسية . . و المتعة الروحية . . و الهدوء الذهني . .
فالحقيقة : العيد من نعم الله الكبرى و من آلائه الجسام ..
فلو لا العيد لما كان للسعادة و السرور معنى .
فهو - العيد - يقرب البعداء - بعضهم إلى بعض - مكانًا و معنى ، و يؤلف بين القلوب ، و يعطي فرصة طيبة مباركة للتزاور و التقارب ، و التواصل و التراحم ، و التجالس و تجاذب أطراف الحديث .
نعم . إنه - العيد - يعمٌق روح الأخوة و المحبة ، و يضيٌق المساحات و الفواصل ، و يحلٌي الأفواه و الألفاظ ، و يعيد إلى الحياة رونقها و بهاءها ، و جمالها و جلالها ..
هذا العيد السعيد مر بحياتي مرات و كرات.. بجميع روائعه و معانيه .
و لكن العيد الذي كان - في الحقيقة - عيد الأعياد في حياتي ، و أعظم الأعياد بركة و بهجة و سعادة ..
ذلك العيد الذي عيّدته بعيدا - آلاف الأميال - عن الأهل والوطن ...
و لكن ذلك العيد كان ألذ عيد عندي ، و أعز عيد علي ، و أحب عيد إلي . .
آه ذلك العيد . . .
فلم يتيسر لي مثل ذلك العيد مرة أخرى في حياتي...
ذلك العيد الذي شعرت فيه بحلاوة العيد الحقيقية شعورا لم أشعر به قط في حياتي.. لا قبله و لا بعده ...
صدقوني أيها القراء الأعزاء . لا أكاد أجد تعبيرا عن وصف لذة ذلك العيد الأعظم الأهنأ من حياتي.. و بيان سروره ، و ما كان حمل معه من مشاعر الاعتزاز و الافتخار، و الانبساط و الابتهاج.. ما لم يأت بمثله عيد آخر قط...
و متى كانت الألفاظ قادرة - بشكل أدق و أكمل - على نقل العواطف و الأحاسيس إلى القرطاس ، فكيف ينقل الإنسان إعجابه بالطبيعة ؟
كيف يصف الشمس وهي تطلع. . ؟ و النجوم و هي تتلألأ. . و الأزهار و هي تتفتح . . و الطيور وهي تشدو . . و الأشجار و هي تثمر .. ؟
أو كيف يعبر عن حب استبد به ، أو غضب استفزه، أو رحمة ملكت مشاعره ، أو سرور خالط روحه .
و هو يعجز - كذلك - عن وصف الهم إذا عمل في رأسه ، و الألم إذا برٌح به .
فالألفاظ لم توضع لشيء من ذلك ، إنما وضعت لنقل مقدمات و نتائج منطقية ..
كذلك لا أستطيع أن أصف فرحة و سعادة ذلك العيد التاريخي الذي لم و لن أنساه ما دمت حيا..
على كل . . لا أريد أن امتحن - أيها القراء - صبركم كثيرا ..
فالآن أبوح لكم بسر ذلك العيد الأغر الأبلج الأعز الأحب... العيد السعيد حقا . . و بكل معنى الكلمة . . العيد الفذ الفريد من حياتي.
إنه العيد الذي كان في ريعان شبابي . . في فجر هذا القرن.. و تحديدا سنة ١٤٠٥ ھ ...
إنه العيد الذي عيٌدته بجوار سيد الأولين و الآخرين .. بجوار أحب الخلق إلى الله و إلى الناس أجمعين..
بطيبة الطيبة . . : المدينة المنورة على صاحبها ألف ألف تحية و سلام . .
فلا تسألوا - أيها القراء الأفاضل - عن مسرة ذلك العيد.. و سعادة ذلك العيد . . و روحانية ذلك العيد .. و لذة ذلك العيد . .
و لِم لا تجتمع هذه المعاني في ذلك العيد . . ؟
فهل هناك أحب إلى مسلم من أن يحتفل بالعيد في مدينة الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم ، الذي شرع لنا هذا العيد .. و هدانا إلى كل ما فيه سعادتنا و فرحتنا ، فجعل حياتنا كلها عيدا و سرورا .. إذا ما قضيناها في ضوء كتاب ربنا و سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
فوالله إن لعيد المدينة المنورة نكهة طيبة خاصة عبقة ، و فرحة لا تقاس ، و جمالا لا يوصف ، و شأنا لا يكون لعيد أي منطقة و لا مدينة . .
هذا شيء يصدقه كل من شرفه الله بالاحتفال بالعيد في المدينة المنورة.
و قصة ذلك العيد أننا - نحن طلاب الندوة المبتعثين إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - قد كنا تخرجنا في شعبان ١٤٠٥ ، و كانت هناك إجراءات روتينية للعودة النهائية ، فقررنا أن نقضي نصف رمضان في مكة المكرمة ، و نصفه الأخير بالمدينة المنورة، و نعيٌد بها ، لأن الإخوان الذين كانوا تذوقوا لذة التعييد في المدينة المنورة رغٌبوا إلينا أن نعيٌد بالمدينة المنورة، فلعيدها طعم خاص ، و متعة أي متعة .. و لذة لا يشعر بها الإنسان في أي مكان آخر . . . فقررنا أن نعيٌد في بلد المصطفى صلى الله عليه و سلم .
و مما يجدر بالذكر أن الهلال كانت تعذرت رؤيته في البداية، فما كان أعلن للعيد بعد صلاة المغرب، فصلينا العشاء و التراويح في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، فبينما كنا نستعد للعودة إلى مهاجعنا ، إذا بالمدافع تدوي طلقاتها في الفضاء .. مبشرة بطلوع هلال العيد .. فهلل زوار المسجد النبوي الشريف - المتواجدون فيه آنذاك - و كبروا ، و هنأ بعضهم بعضا بالعيد ، و شكروا الله سبحانه على أنه رزقهم العيد في مدينة نبيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فكانت الفرحة أضعافا مضاعفة..فرحة العيد في المدينة المنورة . . و فرحة المفاجأة بإعلان العيد . . فرب مفاجأة سارة . . و ما بالك إذا كانت هذه المفاجأة في مدينة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، و ما بالك إذا كانت تلك المفاجاة تتعلق بالعيد . .
فهناك تتعانق الأفراح، و تجتمع السعادات ، و تكتمل المسرات . .
و الحقيقة انني كلما مر بي العيد . . فأتصور عيد المدينة المنورة، و أتخيله في مخيلتي ، فتتضاعف مسرة عيدي ، و تكتمل سعادتي .. و تتجدد هذه الذكرى العطرة . . ذكرى العيد المدني ، الذي كان : " عيد الأعياد"، و " سيد الأعياد " ، و " مفخرة الأعياد " أو : عيد الحياة بالنسبة لي .
فيا له من عيد .. و يا لها من سنوات مباركات قضيناها في الرحاب الطاهرات ، في المدينة المنورة ، التي تشرفت بالرسول صلي الله عليه وسلم مرتين : مرة في حياته - صلى الله عليه وسلم، و مرة بجسده المبارك في ثراها الطاهر . . ، المدينة التي يحس كل من يزورها أن كل مكان فيها ، و كل جبل ، و كل حائط يحدثه حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، و يتلو سيرته. .
لك الحمد و الشكر يا رب على تلك النعمة ، نعمة الإقامة في مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم ، و على جميع النعم التي أنعمت بها علي.. و ما أكثرها . . !
هذا . و الحمد لله الذي أتم علينا شهر رمضان، و نسأله سبحانه أن يتقبل منا و منكم صالح الاعمال .
و أهنئكم بحلول عيد الفطر المبارك ، أعاده الله علينا و عليكم بالصحة والعافية ..و كل عام و أنتم بخير..
كما نسأله سبحانه أن يعيده علينا العام القادم .. و الأمة الإسلامية تكون قد استردت مجدها التليد و عزها السالف.. و تجاوزت محنها و آلامها ، و خفقت راية التوحيد في جميع أنحاء المعمورة ، و ما ذلك على الله بعزيز، و هو على كل شيء قدير .
و الله اكبر . . الله اكبر . . لا إله إلا الله و الله اكبر . . الله أكبر . . و لله الحمد .
( الاثنين : ٣٠ / رمضان ١٤٤٣ ھ - ٢ من مايو ٢٠٢٢م )
تعليقات
إرسال تعليق