سامحونا يا أهل غزة !

 من وحي الأيام

سامحونا يا أهل غزة !


محمد نعمان الدين الندوي
لكناؤ، الهند

سامحونا يا أهل غزة !
والله نستحيي أن نخاطبكم . .
كيف نخاطبكم .. ؟ ونحن الذين خذلوكم في أقسى محنة تمرون بها هذه الأيام ..
سامحونا يا إخواننا وأخواتنا .. وأبناءنا وبناتنا ..
سامحونا أيها الرجال وأيتها النساء من غزة العزة . .
سامحونا .. سامحونا ..
اعفوا عنا .. عن تقصيرنا العظيم عن القيام بواجب الأخوة، و حقوق القرابة والقربى، ومقتضيات وشائج اللحم والدم ..
نعم .ظلنا مشتغلين بأعمالنا وأشغالنا الروتينية .. كأن لم يحدث شيء ..
و لا نزال غارقين في لهونا ولعبنا .. وأفراحنا ومسراتنا .. ولم نقلل منها شيئا ، ولا أجَّلْنا منها شيئا .. فضلا عن إلغائها .. تضامنا معكم .. أو مؤاساة لمأساتكم أو مراعاة لظروفكم ... بل ربما زدنا من جرعات الترفيه والترويح أكثر من المعتاد .. حتى لا نعكر بهجة الأفراح .. متشاغلين بها عن كمدة المآتم والمجازر الوحشية التي تتعرضون لها، وأوضاعكم المريرة، التي لا يعرف هولها إلا أنتم .. الذين يكتوون بنارها ..
سامحونا يا أهل غزة ..
فإن جريمتنا في حقكم عظيمة .. تركناكم فرادى تواجهون أعتى وأخبث عدو لا يعرف إلا القسوة والهمجية والبربرية لحد لم ير مثله قط في تاريخ الحروب والمعارك .. عدو لا يرحم حتى الأطفال الرضع والشيوخ المشرفين على القبور والنساء الضعيفات العاجزات ...
وهل يُرجى غيرُ ذلك من السفاحين الجزارين قتلة الأنبياء والمرسلين . . الذين يحملون قلوبا قاسية كالحجارة أو أشد قسوة بنص القرآن الكريم نفسه : { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد منها قسوة } .
لننظر هنا في تفضيل قلوب هؤلاء اليهود على الحجارة، وأن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة، لأن الحجر قد يتحول إذا تفرق وتشتت .. ، أما قلوب اليهود فلا تجدي فيها أي وسيلة، ولا تنفع فيها موعظة، ولا تبض بقطرة من الرحمة والرأفة، كأنها - قلوب اليهود - مسحت من عاطفة الرحمة مسحا، وجردت منها تماما ..
سامحونا يا أهل غزة . .
نراكم يفعل بكم العدوُّ الأفاعيل .. ويمارس معكم الشنائع والفظائع، التي تقشعر منها الجلود، ويشيب لهولها الولدان ..
ولا يحرك كل ذلك منا شيئا ..
حقا .. لقد ذهبت مروءتنا .. و انعدمت أخوتنا .. بل تلاشت إنسانيتنا وماتت ..
سامحونا يا أهل غزة العزة ..
القصف والقتل ليستحر بكم على مرأى ومسمع من أكثر من مليار مسلم .. ولكنهم كأنهم يسمعون ويرون ويقرؤون أخبار ذلك كأساطير وروايات من القرون الماضية .. لا تضطرب لها قلوبهم، ولا تتحرك لها عواطفهم، وكأن الأمر لا يعنيهم مطلقا ..
يا للعار .. هذا الشاعر الجاهلي يضحك علينا ويسخر منا .. وكأنه يقول لنا : إن حظ مجتمعه الجاهلي من المروءة والنخوة والنجدة للإخوان والأشقاء في المصائب والنكبات أجزل وأجل ..، وحظنا من ذلك - مع الأسف - أدنى وأقل :

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
قاموا إليه زرافات و وحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهانا

صحيح أن ظروفنا لم تسمح بأن نمدكم بالسلاح والعدة والعتاد ..
ولكن أسفا علينا .. لقد عجزنا حتى عن مدكم بالمساعدات الإنسانية من الخبز والماء والدواء وما يقيكم البرد .. اللهم إلا بما لا يسمن ولا يغني من الجوع ..
إنكم يا أهل غزة العزة .. تنوبون عن الأمة كلها في كفاحكم الشريف هذا .. فإنكم تدافعون عن الأقصى .. عن حرمة أرض الإسراء والمعراج .. تضحون بهذه التضحيات الجبارة من أجل إنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، واسترداد الأرض السليبة .
فمن هنا .. كان واجبا على الأمة أن تهب بقضها وقضيضها .. بحكامها وعامتها .. بشبابها وشيوخها .. نصرة لكم، وتفاعلا مع قضيتكم .. التي هي- في الحقيقة - قضية المسلمين جميعا ..
ولكنها - الأمة - وقفت وقفة عار .. لا وقفة فخار .. وقفة تخاذل لا وقفة تضامن ..
إنها وقفت من القضية وقفة عدم الانحياز .. كأن القضية تهمكم وحدكم .. فأنتم وشأنها ..
مع أن القضية .. قضية الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ..
ويتوقف على كفاحكم هذا مصير المسلمين ومستقبلهم ..
إن موقف الأمة من كفاحكم البطولي المشرف عجب في عجب ..
فالبعض أو الكثير يقف موقف اللامبالاة واللاانحياز أو التفرج والانتظار ..
بينما البعض يكتفي بالتهديد و الإنذار .. ويُخَوِّف العدوَّ كما تخوف الأمهات أطفالهن ليناموا بسرعة ..
وبإيجاز .. موقف الأمة - مجموعا - موقف مُخزٍ مخجل .. لم يَسمُ إلى الحد المطلوب المنشود .. إلى مستوى الشعور الحقيقي بالمسؤولية والإحساس بفداحة الخطب . .
عفوا .. يا أهلنا في غزة العزة .. لقد أصبحنا أمة ميتة فاقدة الضميرة والغيرة، لا يوقظها سوط، و لا تثيرها محنة، ولا يهزها تأديب، ولا تجرحها إهانة، ولا يستفزها عدوان، أمة صماء بكماء عمياء، عاطلة الإرادة والتفكير، مشلولة القوى، عاجزة تماما ..، لا حراك بها ولا حس ولا شعور، فقد شيَّعْنا غيرتنا الإيمانية، وحميتنا الإسلامية، ونخوتنا الملية، وشجاعتنا التاريخية التي كانت تخضع الجبابرة والقياصرة، فنحن الآن أمة جبانة .. أُصِيبت بالوهن، يرتجف قلبها دائما من الموت، أمة لا ضمير لها ولا مبدأ، تساوم لأغراضها المادية على مصالحها الملية .
ولكن رغم ذلك .. رغم تخاذلنا وعجزنا عن مساعدتكم .. وشعورنا بتقصيرنا البالغ عن مناصرتكم ..
نؤكد لكم يا أهل غزة الكرام أننا نحبكم .. فقلوبنا - دائما - معكم .. ودعواتنا لكم بالفتح والانتصار لا تتوقف لحظة .. وهل نملك غيرها ؟ ونعتز ببطولاتكم وتضحياتكم، وننظر إليها نظرة تقدير واحترام .. فقد رفعتم رؤوسنا شرفا وفخارا .. وألقيتم الرعب - باستماتتكم ومقاومتكم الباسلة - في قلب العدو .. حتى بدأ يستعمل - خوفا وجبنا - ما تستعمله الأمهات لأطفالهن .. كما أخبرت بذلك شتى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ..
إننا على يقين لا يخالطه أدنى شك أن تضحياتكم هذه لن تذهب سدى .. بل ستتمخض - عما قريب - عن الفتح المبين إن شاء الله . .
ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
ألا إن نصر الله قريب !

(الأحد : ٣ جمادى الآخرة ١٤٤٥ھ - ١٧ ديسمبر ٢٠٢٣م ) .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلامة السيد سليمان الندوي

سلام على صاحب التضحية الكبرى

كان الوستانوي أمة وحده