قبل الملحمة . . وبعدها . . . !

 من وحي الأيام

قبل الملحمة . . وبعدها . . .   !


محمد نعمان الدين الندوي

لكناؤ، الهند


لقد رأى العالم كله من عجائب الإيمان والعقيدة، ومظاهر البطولة والفداء ما حيره .. 

لقد رأى ما لا تكاد تصدقه عيون الماديين الذين لا يؤمنون بالغيب . 

لقد ثبت ان الحق يعلو ولا يعلى عليه ..

و أن أهل الحق مهما بدوا ضعفاء عزلا مقهورين .. غالبون  لا محالة إن شاء الله .. منصورون البتّة بعون الله وتوفيقه ..

فالحمد لله الذي أذل الطغيان، ورفع راية الإيمان . .

والحمد لله الذي أذل المستكبرين، ونصر المستضعفين . . 

إن الكتيبة الظافرة التي اضطَرّت العدوَّ إلى التراجع، والخضوع لقراراتها ، ومَرَّغت كبرياءه في التراب، استلفتت أنظار العالم،  فقد شُدِه بمقاومتها الأسطورية لأعتى جيوش المنطقة .

إن هذه الكتيبة الصغيرة الضعيفة، التي - لو قلنا إنها -  لم تكن تملك  من العدة والعتاد   إلا 1%100 فقط .. مما يمتلكه العدو .. ، لَمَا بالغنا .. !

ولكن هذه الكتيبة قاومت عدوَّها  بنفس القوة، التي قاومت بها آباؤُها وأجدادُها الإمبراطوريتين  العُظمَيين ( فارس والروم )  آنذاك .. ، فهزموا القوتين شر هزيمة لم تقم لهما قائمة بعدها أبدأ . .

إنها قوة الإيمان والعقيدة .. قوة الاعتزاز بالله ..

فبنفس القوة واجهت الكتيبةُ الإيمانية الفلسطينية قوات الكيان الصهيوني التي كان يُظن أو يُشاع أنها  لا تُقهر ولا تُغلب لسبب آلاتها الجهنمية المتطورة، و جهازِها الاستخباراتي العنكبوتيّ الذي كان يعد أحذر من الغراب،  فله عيون تنظر وترصد وتراقب كل شيء  .. مهما كان وراء الأستار والكواليس . . لا تخفى عليه خافية  .. !

ثم لم يكن الكيان الصهيوني وحده .. وإنما كانت تقف معه قوى العالم الكبرى بأحدث ما لديها من المُعَدَّات الحربية المُعَقَّدة والإليكترونية .. ولكن لم يُغْنِ عن العدوِّ كلُّ هذا الحول والطول، والجنود والبنود شيئًا من غناءٍ .. أمام قوة إيمان الكتيبة وشجاعتها القياسية وصمودها الباسل .. 


بعد فترة طويلة جددت الكتيبةُ الفلسطينية هذه تاريخَ البطولة الإسلامية، وذكّرت بروائع تضحيات العرب والمسلمين السابقين الأولين، وقدمت من صور التضحية والفداء ما بيض وجه الإسلام، وقوّى شوكته، وزاد هيبته في صفوف الأعداء، كما رفع رؤوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها شرفا وفخرًا .

لقد ظهرت المعجزة الإيمانية الفلسطينية تروع وتبهر العالم .. وتزيد الذين آمنوا إيمانا .. وتفرض هيبتها على من لا يؤمن رغما عنه.. 

إن هذا الانتصار له ما بعده .. له وزنه ووقعه، وآثاره وبركاته ومعطياته لجميع أحرار العالم عموما، وأهل الإسلام خصوصا، والشعب الفلسطيني بصفة أخص .

إنه يمثل بداية عصر السعادة والحرية والخير لجميع المستضعفين في شتى أنحاء المعمورة، وبداية نهاية النظام العالمي الاستبدادي بإذن الله .. 

هذا الانتصار المشرِّف أعاد البهجة والسرور  والنضارة إلى الوجوه .. بعد أن كانت تغشاها سحابة من الإحباط والقنوط  . .

إنه غيّر نبرات الصوت .. وحوّل أسلوب التخاطب .. وبدّل وضْعَ اللغة ..

فبينما كانت تُستخدم لغةُ الاستجداء والاستعطاف والاسترحام ...

فإذا بها تنقلب لغةً تُشعِر بالقوة والتكافؤ  والتحدي لصلف الاحتلال الغاشم الذي كان بغى وطغى .. 

إن الانتصار قلب الموازين والقيم ..

فالذي كان يُستضعَف ويُحتَقَر ويهان أمس ..

إذا به صار - اليوم - مهيبا عزيزا مكرَّما .. تطاع كلمته .. وتنفذ إرادته ..

فالانتصار الرائع المجيد الذي أحرزه الفلسطينيون لم يرفع رؤوس العرب فخرا وعزة فحسب .. بل رفع رؤوس المسلمين -  على اختلاف جنسياتهم وشعوبهم - شرفا واعتزازا ..

إن هذا الانتصار  أعاد  الاعتبار إلى الإسلام، وزرع مهابته في القلوب من جديد، وأحيا عظمة المسلمين التي كانت تتضاءل بل تتلاشى ..، وجعل الكثيرين ينجذبون إلى الإسلام و يعتنقونه في أوربا وأمريكا .. 

 نعم . أمكن كل ذلك بفضل تضحيات الفلسطينيين العظيمة، وبسالتهم الإيمانية التي أقضت مضجع العدو وطيرت نومه ..

إن هذه الاستماتة في سبيل الحق، وهذا الصمود والثبات من أهل غزة العزة إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأمة ما زال فيها خير كثير .. ولا تزال فيها البقية الباقية من ذلك الإيمان الذي كان سمة مسلمي القرون الأولى المشهود لها بالخير على لسان النبوة المبارك .. 

و أن الأمة ما زالت حية .. حية بإيمانها وعقيدتها .. بغيرتها وحميتها .. بصمودها وثباتها .. حية بعواطفها ومشاعرها ..

و الأمة التي تتعلّم صناعة الموت، تُرزق الحياة، وتُعطٰى الكرامة والعزة .. كما قال بعض السلف : " احرص على الموت، توهب لك الحياة " .


يبدو أن رجال الكتيبة الظافرة المظفرة .. هم الرجال المنتظَرون المرجُوُّون المُقَيَّضُون - من الله  - لاسترداد مجد الإسلام، وإعادة رايته خفاقة عالية في جميع الأجواء  .

وما ذلك على الله بعزيز ..

و هو على كل شيء قدير .. !

{ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين   }


( السبت : ١٠ جمادى الأولى ١٤٤٥ھ - ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٣م ) .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلامة السيد سليمان الندوي

سلام على صاحب التضحية الكبرى

كان الوستانوي أمة وحده