وا إسلاماه .. وا معتصماه .. !

 ٠من وحي الأيام 

وا إسلاماه .. وا معتصماه .. !


محمد نعمان الدين الندوي
لكناؤ، الهند

ملكنا هذه الدنيا قرونا
وأخضعها جدود خالدونا
ونحن الآن نحفر كل أرض
ونبحث عن شباب ضائعينا
و كنا حين يرمينا أناس
نؤدبهم أباة قادرينا
فأصبحنا نقبل كل كف
وتضربنا فنخصع صاغرينا

إنها حقيقة - مهما كانت مرة وأليمة - أن الأمة الإسلامية - في الوقت الحاضر - تمر بأحلك فترة وأخطرها وأصعبها امتحانا من تاريخها الحافل بالامتحانات والعداوات التي تعرضت لها - عبر العصور - على الصعيدين الداخلي والخارجي .. !
فقد ضُيّعت الخلافة الإسلامية منذ عقود من الزمن، وعطلت الحدود الإسلامية في معظم ديار الإسلام، وأُبعدت شريعةُ الله عن التنفيذ والتطبيق، وشجعت الدعوات الطاغوتية والحركات الهدامة والصيحات الكافرة، وسلط على العديد من مناطق الإسلام وكلاء الاستعمار، ودنس المسجد الأقصى المبارك وفلسطين الإسلامية العربية المباركة - أرض الأنبياء - باحتلال شذاذ الآفاق من اليهود الذين لعنهم الله وغضب عليهم، ودماء المسلمين صارت أرخص شيء في العالم، وآهات الثكالى وصرخاتهن تملأ الفضاء، وسجون كثير من البلدان الإسلامية تملأ بالشباب الطاهر الأبيّ النقي العائد إلى ربه، والشعوب المؤمنة الساذجة البريئة تبتلى عقيدتها وإيمانها بالحكام الخائنين الذين يسومونهم سوء العذاب، ويجعلون حياتهم إلى جحيم لا يطاق ... إرضاء لسادتهم وأربابهم من شياطين الشرق والغرب، وتنفيذًا لتعليماتهم، والدموع تنهمر من مآقي الأمهات والأرامل والأطفال اليتامى، والرصاصات تخترق الأجساد، والأفواه مكممة، والأيدى الأمينة المتوضئة مغلولة، وحرمات المقدسات الإسلامية منتهكة، ويستباح عفاف الأمهات والأخوات والبنات الطاهرات :

وتصيح أعراض النساء فلا ترى
منكم فتى يرمي وليس برامي

والواقع أنه لمن الصعب على القلم - مهما أوتي من المقدرة اليانية ـ أن يعبر عن مصائب المسلمين ويصور هوانهم والاستخفاف بهم وهول مأساتهم وشماتة الأعداء بهم .
ولكن الأدهى من ذلك وأمر .. ومما يُبكى العين دمًا لا دمعًا .. أن معظم أفراد الأمة - مع وجود هذه النكبات والابتلاءات والأحداث المؤلمة التي يكفى واحد منها لأن يقض المضجع، ويطير النوم، ويطيش العقل، ويطيح باللب، ويجعل المرأ فاقد الوعي والاتزان - لفداحة الخطب - مضطربا .. فينلقب على أحر من الجمر .. معظم أفراد الأمة - مع ذلك - يعيشون عيشة عادية عابثة لاهية .. كأن لم يحدث شيء، وكأن الأوضاع تسير في مجراها الطبيعي، والأمور على ما يرام، والإسلام بخير ...!
آه . . . لقد تبلد الحس، وذهب الشعور وتجمد الدم، وماتت الأخوة، ولم تعد تلك الغيرة الإسلامية والحرقة الإيمانية التي تحرك خليفة المسلمين من بغداد على رأس جيش عرمرم استجابة لاستغاثة امرأة في عمورية.
يسمع المسلمون اليوم أخبار معاناة إخوانهم في الإذاعة أو يرونها على الشاشة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي .. فيحوقلون ويسترجعون ... ويحسبون أنهم أدوا ما عليهم تجاه إخوانهم المنكوبين ..
إنهم فقدوا اليوم الشعور والغيرة والتحرق والتوجع .. الشعور بجراح الأمة وآلامها، والغيرة على انتهاك الحرمات والمقدسات، والتوجع على مصائب المسلمين ونكباتهم، فلا يحركهم تأديب ولا يهزهم تأنيب أو إهانة، ولا يثير حفيظتهم سلسلة الفظائع والانتهاكات .
أفلم يسمعوا قول نبيهم صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" .
فالقضية إذن . . قضية إيقاظ الشعور في داخل المسلم وإثارة غيرته واستجاشة مروءته وحساسيته وحميته وكرامته من جديد ... وعاطفة الرحمة الإنسانية على الإطلاق .. والقرآن الكريم يستنكر القعود عن الاستجابة لصرخات المستضعفين .
وإنها مسئولية العلماء ورجال الإصلاح والتوجيه والدعوة أن يركزوا في خطبهم ومحاضراتهم - بصفة خاصة - على هذه الناحية .. ناحية إحداث الشعور المفقود بفداحة الخسارة وعظم الكارثة وتألم القلب ووخز الضمير .. ويلقنوا الشباب القلق والتوجع، ويحثوهم على إيثار حياة الجد والرزانة والرجولة والجد والثبات والصبر - لفترة - عن حياة اللعب والترف وبعض ما لذ وطاب من الطعام والشراب، ويعلموهم أهمية الغيرة والحمية والكرامة في حياة الشعوب وكيف يغسلون العار ويستردون الاعتبار وسابق الشرف والوقار .
فلا يرد الكرامة الضائعة والعزة المفقودة، إلا بعث شعور الأمة ووعيها، إلا الغيرة والإباء والحمية، إلا عاطفة الثأر والانتصار للمتحنين من أجل العقيدة.. . ومسح دموع البؤساء والمنكوبين والمشردين والجوعى والمرضى والجرحى والفتيات المنتهكة عفتهن، إلا تَبَنى الكلمة الخالدة التي قالها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ـ والتي تنطق بقوة إيمانه وصموده وصلابته وغيرته وعدم لينه في الدين، فقضى بها على فتنة الردة المشهورة : [ أينقص الدين وأنا حي ..؟! ] .
لقد صارت الأمة اليوم تكتفي من مآسي أبنائها - على الأكثر - بالتهديد والتنديد ..
لقد كثر التنديد والتهديد .. و سئمنا العنتريات والتبجح بالكلام الفارغ ... الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ...
وقديما قالوا :
الذي يهدد لا يفعل .. والذي يفعل لا يهدد ..
فقد آن الأوان للعمل وترجمة الكلام إلى الواقع ... !
نُسمع العالم جعجعة .. ولا نريه طحينا .. ؟!

( الجمعة : ١١ ربيع الآخر ١٤٤٥ھ - ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٣م ) .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلامة السيد سليمان الندوي

سلام على صاحب التضحية الكبرى

كان الوستانوي أمة وحده