لِله رَوْحٌ مُنْتَظَر .. !

من وحي الأيام 

لِله رَوْحٌ مُنْتَظَر .. !


محمد نعمان الدين الندوي
لكناؤ، الهند


لا يستطيع أي إنسان - وإن كان ذا قلب قاسٍ، متجرد من مشاعر الإنسانية والرحمة - مشاهدةَ الشنائع والفظائع من الجرائم التي تُرتَكَبُ - تحت مظلة الحرب الضروس والقصفات العشوائية الظالمة - ضد إخواننا في فلسطيننا الجريحة .
في بعض الأحيان لا يكاد يستطيع الإنسان تصديق ما تراه عينه وما تسمعه أذنه .. !
وذلك لِبَشاعة ما يرى، وشناعةِ ما يسمع ... ويسائل نفسه : هل الإنسان يمكن أن يأتي بمثل هذه الفظائع من الجرائم التي - لعلها - لا تخطر أمثالُها على الشيطان نفسه .. !
و و الله لوكان للأرض لسان، لعبرت به عن غضبها الشديد متألمة مما يقع على ظهرها من المآسي التي يتندى لها جبين الإنسانية بل المخلوقات كلها .. ناطقِها وصامتها، وعلويها وسفليها، وطائرها وزاحفها، وبحريها وبرّيِّها، ومرئيّها ومخفيّها ...
و لو كان بوسعنا - نحن البشر - رؤيةُ عين السماء، لرأيناها تفيض دمعا بل دما ... لهول ما ترى على أرض الله من المناظر الوحشية البربرية من تمزق الجثث وتفحمها، وتطاير الأشلاء، والأجساد الملطخة بالدماء ما يقطّع نياط القلوب، ويجَفّف آخر عبرة من عبرات العيون، وتُصم الألسنة، ويشل الأذهان ..
ولوكنا نفقه لغات الحيوانات والبهائم لسمعنا منها - أيضًا - تنديدا بالغا بهذه الهمجية الوحشية النادرة التي لا تتصور أشد منها فظاعة حتى في السباع الضواري ووحوش الصحاري .. ، ولسمعناها - الحيوانات - تقول للإنسان ! ما لك يا إنسان ...؟ أ لهذا الحد تسقط وتتردى في الهاوية .. ؟؟
يا مَن فضلك الله على جميع الخلائق ..وجعلك أشرف المخلوقات .. تسفك دم أخيك الإنسان بهذه الضراوة والوحشية، التي لم يرتكبها الإنسان حتى حينما كان يعيش في الغابات ويستر عورته بالأوراق ...
ما يجري - منذ أكثر من أسبوعين - من *رقص" الإنسانية " العريان* - حسب التعبير الأردي - في « غزةَ » العزةِ والكرامة والشموخ والقداسة، طيّر نوم ملايين الأحرار من أبناء الإنسانية في الدنيا كلها ... فلا يهدأ لهم بال ولا يقر لهم قرار ولا يهنأ لهم طعام ولا يسوغ لهم شراب ... بما يُقام من المجازر الوحشية والإبادة الجماعية للمدنيين الأبرياء من الأطفال كالزهور والشيوخ المشرفين على القبور، والنساء الضعيفات والكبار والصغار الذين لا ذنب لهم إلا أن يقولوا ربنا الله ... { وما نقموا إلا أن يؤمنوا بالله } ويسعَوا لاسترداد حقهم المغصوب ...
إن الكفاح من أجل استعادة الأرض المحتلة عمل ممدوح مُشاد به، مبارك فيه، مندوب إليه، لا يختلف فيه اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان ...
ولكن تبًّا لازدواجية المعايير ... فبينما يُعد عملٌ أمرًا يستحق الإشادة والتنويه في مكان ... إذا بالعمل ذاته وبعينه يعتبر إجرامًا وذنبًا لا يغتفر في مكان آخر ...
في هذه الظروف اللاإنسانية .. ما هي مسؤوليتنا ؟
هل نظل نتفرج و نكتفي بالحوقلة والاسترجاع والاستعاذة بالله - على إيماننا بأهميتها - من الشيطان الرجيم .. !
أم مسؤوليتنا أكثر وأدق من ذلك كله ..
أَوَّلًا يجب أن نستحضر في أذهاننا أن صمت القادر على استنكار الجريمة لا يقل وقاحة عن الجريمة نفسها ..
فلا بد - بادىء ذي بدء - من التنديد - على جميع المستويات - بالجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية ..
والتنديد له دوره في تخفيف وقع المصاب عن المظلوم ومسحِ دموعه، وإشعارِه بأن هناك من يحزن له ويحس ألمه، فهذا الشعور بـ " المشاطرة الإخوانية لآلامه وأحزانه " يعطيه جرعة نفسية تقوي داخله بما يجنبه التحطم الداخلي والانكسار القلبي .. فإذا نددنا بظلم يقع على أحد، فكأننا نشاطرالمظلوم آلامه وأحزانه، ونرفع معنوياته .. وإنه في حد ذاته لون من ألوان النصرة للمظلوم .
وهذا - رفع صوت الحق ضد الظلم والإدانة بالظالم - أدنى حقوق المظلوم علينا، وهجره لون من ألوان الخذلان .. ولبئست الخلة هذه الخلة ( خلة الخذلان ) .. ، فما هي بسجية النبلاء فضلا عن الأشقاء .. !
ثم إن في ديننا الحنيف لتوجيهات رائعة لنصرة الظالم والمظلوم كليهما ..
أما نصرة المظلوم فهي شيء معروف يتمثل في إنقاذه من ظلم الظالم ..
أما نصرة الظالم فهي تعني الأخذ بيده، ومنعه من الاعتداء على المظلوم ...
فلا بد من وقف الظالم عند حده باستخدام الوسائل الممكنة، واتخاذ التدابير اللازمة من شأنها ردع الظالم عن معاودة أفاعيله ..
ألا ... إن المناضلين عن حرمة أرض الآباء والأجداد والأنبياء لجديرون بالتحية لهم، والإشادة بصنيعهم، فعملهم مشكور مطلوب مشروع لدى جميع الديانات والأعراف والقيم الدولية ..
وكل أرض محتلة - في أي مكان كانت - يجب أن يُتصدَّى لطغيان المتسلطين عليها وغطرستهم بالعزائم القوية، والأيدي الباطشة، والأقدام الثابتة، والأرواح العزيزة والأنفس الكريمة .
فالجهود التي تبذل لاسترداد الأراضي العربية المغتصبة ليست بدعًا من الأمر ...، وإنما هي معروفة معهودة، لها من القانون والشرع والأعراف والواقع حجج ونظائر وشواهد ..
لقد تجاوز الظلم كل حد في فلسطين المحتلة .. حتى قامت مظاهرات في أمريكا وفلسطين نفسها، شارك فيها أحبار اليهود منددين بظلم دولة فلسطين، حاملين لافتات مكتوب فيها :" إسرائيل دولة الظلم " .
ومعلوم أن الشارع .. لا أقول : الإسلامي، بل الشارع الإنساني العام يفور اليوم بالسخط على ظلم دولة الاحتلال ..
فالظلم ظلم .. شرقيًّا أو كان غربيًّا .. أمريكيًّا كان أو روسيًّا .. لا تقل شناعته في مكان دون مكان .. أو في منطقة دون أخرى .. الفطرة السليمة لا ترضاه البتة .. وترفضه رفضًا باتًّا .. حتى الظالم نفسه يكون - فيما يُعْتَقَد - لا يرتاح إلى أفاعيله النكراء .. ولكنه يضطر إليها اضطرارًا لسبب أو آخر ...
*هذا . وأجرى السيد رئيس الوزراء الهندي نريندر مودي اتصالًا هاتفيًّا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أعرب - خلاله - السيد مودي عن أسفه الشديد على قصف المستشفي الهمجي الذي أسفر عن مئات الشهداء والجرحى، كما أعرب عن قلقه حول الوضع الأمني المتدهور في المنطقة ، وقال : سنظل نرسل المساعدات إلى الشعب الفلسطيني، ونؤمن بنظريتين قوميتين، وأعاد مودي موقف الهند السابق الصامد تجاه القضية الفلسطينية،*
(جريدة "انقلاب" اليومية ، لكناؤ، ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٣م ) .
كما يجدر بالذكر أنه يتم - حاليا - تداول مقطع فيديو لرئيس الوزراء الهندي الأسبق - من حزب بهارتيا جانتا - السيد " *أتال بيهاري فاجبائي* " *الذي يعلن فيه - بكل قوة وصراحة - قائلًا : « إننا - نحن أهل الهند حكومة وشعبًا - مع العرب، وفلسطين للفلسطينيين ..، ولا يمكن التراجع عن موقفنا أبدًا»* .

* * *
ولله روح منتظر ، وفرج مأمول، وصنع متوقع، وفتح مرتقب، وبشارة قريبة، وقدرة قادرة مرجوة، سيريها الله - من عجائبها - إيَّانا في أعدائنا إن شاء الله !
فلنصبر .. ولا نيأس .. فإن للنصر موعدا ..
ألا إن نصر الله قريب !

( الثلاثاء : ٨ ربيع الآخر ١٤٤٥ھ - ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٣م ) .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلامة السيد سليمان الندوي

سلام على صاحب التضحية الكبرى

كان الوستانوي أمة وحده