أديب الفقهاء وفقيه الأدباء الشيخ علي الطنطاوي - الحلقة (٤)

شخصيات أعجبتني

أديب الفقهاء وفقيه الأدباء الشيخ علي الطنطاوي

 الحلقة (٤)

محمد نعمان الدين الندوي 

لكناؤ، الهند 


من أقواله فى الأدب والأديب

الفرق بين العلم والفن والأدب

"العلم غايته : الحقيقة، ووسيلته : الفكر، وأداته : المنطق، وأن الفن غايته :  الجمال، ووسيلته : الشعور، وأداته : الذوق، وأن الأدب لون من ألوان الفن، أو أسلوب من أساليب التعبير عنه". (ذكريات علي الطنطاوي  ٣/ ٣.٩ ) .

"كان علماؤنا يفرقون بين العلم والأدب، فالعلم تخصص وتعمق في علم واحد، والأدب أخذ من كل شيء بطرف، فكان معنى كلمة الأديب قديما كلمة المققف فكريا الآن" . ( أيضا : ٧ / ١٠١ ) .

قوة الأدب

"الأدب هو محرك الشعوب، ومثير الهمم، وباعث العزائم، الأدب يوقظ النائم، وينبه الغافل، فأين أنتم يا أدباء العرب، من ( قضية فلسطين) ؟ إن خطبة طارق فتحت الأندلس، وخطب نابليون أكسبته استرلتز، وخطب فيخته أعادت الروح إلى الألمان، وأرجعتهم إلى مكانهم من الحياة،  " ( أيضا : ٢/ ٢٧٥ ) .

" و هل في الدنيا بعد الدين شيء أعظم من الأدب، إنه كلام، ولكنه كلام يجر فعالا  إنه كلام ولكنه يقيمكم إن كنتم قاعدين، ويقعدكم إن كنتم قائمين، ويدفع بكم إلى الموت، ويأخذ بأيديكم إلى الحياة، وكذلك يتصرف الأدباء بالناس" ( أيضا :٣/ ٢٤٣) .

أهمية الأديب

الأديب في الأمة لسانها الناطق بمحاسنها، الزائد عن حماها، وقائدها إلى مواطن فخرها، وذرى مجدها " ( أيضا : ٢/ ٢٠٤ ) .

الأدب قدبلغ سن الرشد

".... و من هنا . . جاءت عظمة الأدب، وجاء خلوده، أنه ليس كالعلوم، إن قرأ طالب الطب في كتاب ألف قبل أربعين سنة، سقط في الامتحان، أما طالب الأدب فيقرأ شعرا قيل من ألف وخمسمائة سنة، ولا يزال جديدا كأنه قيل اليوم، ، لا تقولوا إن العلوم تترقى وتتقدم وتسعى إلى الكمال، لأن الجواب حاضر، إن الأدب قد بلغ سن الرشد  وحد الكمال . . من قبل أن يولد العلم، وقد عاش البشر دهورا بلا علم، ولكنهم لم يعيشوا يوما بلا أدب، إن آدم قال لحواء كلمة الحب، لم يحدثها في الكيمياء، ولا حل معها مسائل الجبر في رياض الجنة، والحب أول كلمة في سجل الأدب،

الشعر أخلد من الكيمياء، وأبقى من الرياضيات، كم مرة تبدلت نظريات العلم، منذ نظم هوميروس قصيدته إلى اليوم، وأشعار هوميروس لا يزال لها رونقها ومنزلتها" ) رجال من التاريخ: )

ما هو الأدب الإسلامي عند الطنطاوي؟

"لا يزال في الناس من يختلط عليه أمر تعريف الأدب الإسلامي، ويُدخل فيه كتابات إسلامية ليست أدبا  وكتابات أدبية ليست موافقة للإسلام، والذي أفهمه أنا بذهني الكليل وفهمي القليل أن الأدب الإسلامي هو ما كان أدبا مستكملا شرائطه، جامعا عناصره، سواء في ذلك أكان ذلك قصيدة، أم كان قصة، أم كان مسرحية، أم كان رواية، فالشرط فيها أن تكون بالميزان الأدبي راجحة لا مرجوحة، وأن يكون الأثر الذي تتركه في نفس قارئها إذا انتهى منها، مرغبا له في الإسلام، دافعا له إلى الاقتراب منه، لا أن تكون بحثا فقهيا، ولا تاريخيا، ولا شرح حديث  ولا تفسير آية، فهذا كله ليس أدبا، و إن كان شيئا أغلى وأثمن وأعلى من الأدب "، ( ذكريات ٨/ ١١٥ ).

بين التصوير والأدب

التصوير والأدب لغتان تصوران عن الحقيقة الواحدة، إن الطبيعة أبرع في الألوان، ولكن الفن البشري أبرع في الأصوات، والطبيعة ليست موسيقية فنانة، ولكن عندها من الألوان ما لا نهاية له، هذا الذي  قدره الله عليها، وكتبه لها .

هل في الطبيعة من الأصوات إلا هدير الموج، وخرير النهر، وحفيف الأشجار،  وتغريد البلابل، وسجع الحمام، وقصف الرعد؟ هذه موسيقاها، ومن هنا . . كانت الموسيقى البشرية أسمى الفنون، لأنها ابتكار وتجديد، على حين الأدب والتصوير تقليد " .( ذكريات ٣/ ٢٠٨ ) .

مفهوم التجديد في اللغة

"التجديد كما نفهمه ( أو كما أفهمه أنا على الأقل ) لا يكون بقطع الصلة بالماضي، ولا بالخروج على قواعد اللغة وسنن العرب في كلامها، ولا بالدعوة الحمقاء إلى العامية  ولا بأن نعمد إلى عقود الشعر، فنقطع خيوطها، وننثر حباتها، ونأتي بشيء لا هو بالنثر ولا هو بالشعر، بل أن تبقى اللغة عربية سليمة من العلل، بليغة قوية بعيدة عن الركاكة والضعف،  ونصب فيها بعد ذلك ما شئنا من أساليب جديدة وأفكار جديدة، أي أن نصنع ما صنع أجدادنا في العهد العباسي، حين ترجموا كتب اليونان والفرس، فجعلوها عربية، ولم يجعلوا  لغتهم من أجلها يونانية ولا فارسية، ولا لغة ممسوخة مسخا، هي من أصلها العربي كالقرد الذي كان إنسانا، فمسخ قردا أو خنزيرا (١).

هذه اللغة القردية التي نراها في المجلات، تترجم عن الإنكليز والفرنسيين أدبهم، تنقله إلينا كما يُنقل التمثال البديع، لكن بعد كسره، لا ننقله تمثالا بل رفات تمثال، وقد أنفق ساعة من وقتي أحاول أن أفهم صفحة منه ثم لا ...

هذا كلامي في مقالة منشورة قبل نصف قرن كامل، أي قبل أن يولد هذا المولود المشوه الكريه الذي اسمه الشعر الحر، الذي سكرت أبصار الناس حتى رأوا فيه حسنا ما ليس بحسن، وما هو إلا مسخ للشعر " . ( أيضا : ٣/ ١٧ ) .


الهوامش :


(١) المسخ الوارد : من العلماء من قال إنه كان مسخا حقيقيا، ولكن من يمسخ لا يعيش إلا قليلا ولا يكون له نسل، ومن قال إنهم مسخوا في أخلاقهم وسلوكهم، فصارت كصفات القردة والخنازير.

المصادر: 

(١) علي الطنطاوي : ذكريات علي الطنطاوي.

دار المنارة، جدة، السعودية، الطبعة الثانية، ١٤٠٩ھ - ١٩٨٩م .

(١) رجال من التاريخ


(الثلاثاء : ٢١ من شعبان ١٤٤٤ھ - ١٤ من آذار- مارس - ٢٠٢٣ م ) 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلامة السيد سليمان الندوي

سلام على صاحب التضحية الكبرى

كان الوستانوي أمة وحده