أستاذنا الجليل الشيخ حبيب الرحمان السلطانبوري

شخصيات أعجبتني

أستاذنا الجليل الشيخ حبيب الرحمان السلطانبوري


محمد نعمان الدين الندوي 

لكناؤ، الهند


من فضل الله سبحانه علينا أننا درسنا في ندوة العلماء، وكانت تعيش -آنذاك- عصرها الذهبي، يوم كانت تسعد  بوجود الإمام الندوي رحمه الله، الذي كان يعد بركة العصر وريحانة الزمان، ومفخرة العالم الإسلامي بأجمعه، ذلك الرجل الذي كان أمة وحده، وتقدمت في عهده ندوة العلماء وازدهرت  في جميع المجالات، واتسعت آفاق تطورها، وتنوعت بشكل غير مسبوق .

كذلك الندوة في عصرنا كان يَزِيْنُ محرابَها التدريسي كوكبة من الأساتذة البارعين والمعلمين الفضلاء الناجحين، الذين يندر نظيرهم، والذين كانوا لايألون جهدا في تعليم الطلاب وتربيتهم، وصقل مواهبهم، وإعدادهم كوادر مؤهلة، للاضطلاع بأعباء مسؤولية التوجيه والتعليم والتربية والإرشاد مستقبلا  ..

السلطانبوري أستاذا بارعا

من أولئكم الأساتيذ البهاليل: أستاذنا الجليل فضيلة الشيخ حبيب الرحمان السلطانبوري رحمه الله (المتوفى ٢٠٠٧م )  الذي كان يُدَرٌِس الفقه والنحو والصرف والبلاغة. 

كان الشيخ  حبيب السلطانبوري أستاذا نسيج وحده، أستاذا يضرب به المثل في النظافة والأناقة والنسق والترتيب والضبط والنظام.،فما رأيت مثله من يدانيه في هذه الأمور إلا نادرا جدا.

وكان أستاذا وقورا محترَما حبيبا إلى الطلاب، معروفا بالإتقان والإجادة في كل مادة يدرسها، وكان إذا دخل الفصل، شعرنا كأن إمام فن دخل .. دخل  في وقار المعلم وصرامة المؤدب، وجلس في أدب واحترام للعلم .. كجلسة المصلي، ووضع القلم والمنديل والمفتاح  -وغير ذلك مما يحويه جيبه-  على الجانب الأيمن  من المنضدة في نسق ..، ثم بدأ يسجّل الحضور، وينادي على أسماء الطلاب ..  طالبا طالبا ، وربما يتوقف إذا جاء اسم طالب كان تغيب، يسأله عن سبب التخلف، وينصحه بالحرص على حضور الدروس حرصا بالغا إلا إذا كان هناك مانع خارج عن الإرادة.

الجدير بالذكر أن الشيخ السلطانبوري رحمه الله كان ملتزما بتسجيل الحضور أشد ما يكون الالتزام، ويعتبر أي تهاون في ذلك نوعا من التقصير في القيام بالواجب، بل من الخيانة في أداء المسؤولية، فمن عظيم اهتمامه في ذلك أنه كان ربما يحضر الفصل، ويجد الطلاب  كلهم متغيبين لقرب الامتحان، لانشغالهم بالاستعداد له، فكان لا يرجع من الفصل، بل يدخله، ويسجل الحضور، ويقول : أيها الملائكة ! اشهدوا لي غدا يوم القيامة .. بأنني قمت بواجبي، وأديت مسؤوليتي .. ( هذا ما سمعته من بعض الطلاب، ولم يحدث في زمننا ) .

وبعد إكمال عملية تسجيل الحضور في دقة وأمانة .. كان يبدأ الدرس.

وكان النظام عنده أن كل طالب كان يقرأ العبارة، ودور الطالب كان  حسب ترتيب الأسماء المدرجة في السجل، والطالب الذي يأتي دوره لليوم القادم ، يقدم الكتاب إليه - الشيخ السلطانبوري - ويضعه أمامه على المنضدة.

ثم يبدأ الطالب - الذي كان عليه الدور - قراءةَ العبارة لدرس ذلك اليوم،( والمراد بـ:" العبارة" هنا :  الجزء أو النص من الكتاب، الذي كان سيُدَرٌَس في ذلك اليوم )، وكان على الطالب أن يقرأ قراءة واضحة متأنية سليمة من الأخطاء النحوية والصرفية، و كان الشيخ السلطانبوري يستمع للعبارة في دقة واهتمام، يصحح أخطاءها،  وربما  يسأل الطالبَ : لماذا قرأتَ كذا .. لماذا فتحتَ هذه الكلمة أوضممتها أو جررتها .. ؟

أذكر أنني قرأت ذات مرة العبارة في درسه، قرأتها مراعيا مخارج الحروف وصحة الأداء، فأعجب الشيخ السلطانبوري بذلك واستحسنه، ولم يكن الشيخ عبوسا قمطريرا، ذا رزانة متكلفة أو وقار صناعي .. ، وإنما كان ظريفا أرْيَحِيًّا لطيف المعشر ، فَكِهًا هشًا بشًا أليفًا مألوفًا .. فلما سمع الشيخ قراءتي للعبارة، أمتعَنا بطُرْفة، فقال : كان عندنا - في منطقتنا - سكّاف يخصف النعال والأحذية، وكان يقول: " جوطا"  بـ :" الطاء " بدلا من :"جوتا ".. ( و  :" جوتا" بمعنى :" الحذاء" بالأردية ) ، وهكذا كانت الطُرَف والنوادر الخفيفة تتخلل درس الشيخ ترويحا لقلوب الطلاب وتنشيطا لأذهانهم، وإمتاعا لعقولهم.

بعد انتهاء قراءة العبارة، كان الشيخ يبدأ شرح العبارة،  فيجيد الشرح، ويحسن التحليل، ويفك غوامض العبارة ويقنع الطلاب، ويرد على إشكالات الطلاب ردا جيدا.

مربيا حكيما

لم يكن الشيخ السلطانبوري مدرسا بحتا، لا يهمه إلا شرح العبارة وحل مشكلاتها، بل كان مربيا حكيما ومرشدا جليلا  أيضا .. فكان كثيراً ما يستطرد  أثناء الدرس .. فيقص حكايات المشايخ الكبار، وأقوالهم الثمينة، التي تحمل جوانب نافعة للطلاب، وتغرس في قلوبهم المعاني الزكية، وتلعب دورا في تربيتهم، وصبغهم بالصبغة الدينية، وتزويدهم بشحنات إيمانية،  وتطعيمهم  بجرعات روحية تحمي باطنهم، وتملأه حرارة وقوة، يتقوون بها في مواجهة تحديات المستقبل .

على كل .. كان درس الشيخ السلطانبوري يحمل نواحي تربوية وإصلاحية أيضا، إلى كونه درسا تعليميا رائعا  ممتازا ممتعا مقنعا .

كان الشيخ السلطانبوري رحمه الله جهوري الصوت فخمه، ذا لحن رائع جميل ممتع جذاب يشنف الأسماع، في أسلوب يشبه الخطابة، ويجعل الطلاب مصغين إليه، مقبلين عليه، عن رغبة صادقة وشوق داخلي.

و الحقيقة أن درس الشيخ السلطانبوري كان من أحب الدروس إلى الطلاب، وأحظاها بالرضا والاقتناع منهم .

ومن هنا .. فكان الطلاب يحرصون على حضور دروسه أعظم ما يكون الحرص، ولا يتخلفون عنها إلا لحاجة ملحة ..

وكنا نشعر إذا لم يحضر يوما لسبب  أو آخر ..كأننا لم نَدْرُس في ذلك اليوم .. أو فقدنا شيئا ..  نشعر بفراغ ..  وحرمانٍ  من فائدة عظمى ..

وكاتب السطور يعتز بأنه درس على الشيخ السلطانبوري عدة كتب في علوم شتى، ونهل قطرات من منهله العذب، لا يزال يستقي منها،و يشعر برِيّها وخِصْبها.

كان الشيخ السلطانبوري رحمه الله شديد الحرص على تعليم الطلاب وتربيتهم، ومن منطلق حرصه هذا كان يرى كل ما يضر الطلاب -تعليميا وتربويا- عظيما .. ولا يحتمل في ذلك أي تقصير  أو تهاون .. بل يراه نوعا من الخيانة .. 

فمن هنا .. كان معروفا بشدة المراقبة  في قاعة الامتحان، وكونِه متيقظا .. حديد النظر  .. كثير الالتفات يمينا وشمالا .. وقدام وخلف .. فلا يمكن أن ينجح أحد في محاولة للغش، وكان يدْهَم كل من يتحيل لذلك، فينقض عليه كما ينقض الصقر على الطير، ويضبطه متلبسا بالفَعلة .. 

وكل ذلك كان نابعا من دقة شعوره بأداء مسؤوليته، وحرصه البالغ على كفاءة الطالب، وتجنيبه كل ما يصيبه بالضرر في علمه ودينه وتقواه .

طيبا نظيفا

وهناك ميزة أخرى كان الشيخ السلطانبوري رحمه الله شامة فيها بين أقرانه .. بل لعله كان المجلي في هذا المضمار .. والحائز قصب السبق فيه ..

وقد بلغت شهرته في ذلك كل مبلغ .. 

هناك تعبير يعبَّر به عن الرجل الذي يحطم رقما قياسيا في فن، أو يبلغ الدرجة العليا فيه .. فيقال - مثلا- :

 [فلان انتهت إليه رئاسة المحدثين ]..

أو :

[فلان انتهت إليه رئاسة الفقهاء] ..

أو كما يقال عن الإمام الندوي رحمه الله:

[انتهت إليه رئاسة النبلاء ] .. 

وما إلى ذلك من مثل هذه التعبيرات التي تشير إلى القدح المعلى  أو تَمَيُّز خاص أو  البراعة الفائقة -لمن يوصف بها - في مجال أو فن أو صناعة .

فقياسا على ذلك .. إذا قلنا عن صاحبنا الممدوح شيخنا السلطانبوري:

[ انتهت إليه رئاسة النظفاء] ..

ما بالغْنا ... 

فبالنظافة كان الشيخ السلطانبوري يعرف .. وهي - النظافة- كانت تعرف به ..فهما متلازمان .. لا يمكن إذا ذُكِر أحدهما، ولا يُتَخَيَّل ثانيهما .. فكلاهما يعرف بعضهما بالآخر .. فإذا ذُكِرت النظافة، تمثل السلطانبوري، وإذا ذُكر الأخير تخيلت النظافة .. وكأنهما توءمان متلاصقان لا يمكن فصل أحدهما عن الٱخر .

نعم كان الشيخ السلطانبوري مهتما بالنظافة أعظم اهتمام .. نظافة الثياب، نظافة المكان .. نظافة الدار ..

 تجده - دائما- في زي أنيق ورُواءٍ حسن ..

ترى ثيابه في أي وقت .. فتظن كأنه غيَّرها حالا .. 

وهكذا كنت تجد عنده كل شيء نظيفا ومنسقا .. 

فالنظافة والأناقة و النسق والنظام مما كان يُعرَف به الشيخ ويتميز عن غيره .

ولم يكن الشيخ السلطانبوري رحمه الله يعتني بنظافة الظاهر فقط .. 

بل كان نظيف الباطن أيضا .. فكان عفيف اللسان .. فلم نسمع منه رتعا لعِرض أحد قط ..

وكان - كذلك - سليم الصدر، نقي الضمير، لا يحمل حقدا ولا يريد شرا بأحد .. هكذا نحسبه، والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحدا .

الخفة والنشاط

أول مارأينا الشيخ السلطانبوري رحمه الله وجدناه في نضارة الشباب وطراوته، وقد كان تجاوز مرحلة الشباب ودخل مرحلة الكهولة، ثم رأيناه وهو يمر بذيل الكهولة، إلى أن وجدناه في بادئة الشيخوخة .. يطوي مراحلها  مرحلة بعد مرحلة ..  مرحبا بها في رضا وفي هشاشة يمزجها ببشاشة . .   وجدناه دائما - في معظم هذه المراحل- في غاية من النشاط، وكأنه شعلة من العمل والخفة والحركة، وما رأينا عليه قط أثرا من الكسل أو التعب، يمشي مسرعا و كأنه مستعجل . . خرج لينجز أمرا مهما ..

الهيئة

ربعة من القوم، لا بائن من طول، منفتح اللون، أقرب إلى البياض،مشرب بحمرة،كث اللحية غير قصيرة ولاطويلة، نظيف البزة نظافةً، تتشرف النظافة - نفسها - بالانتماء إليها .. ، شثن الكف، جيد الصحة ظاهرا، مستدير الوجه، تشرق عليه - دائما- ابتسامة خفيفة، ويعلوه نور الإيمان، ويزينه بهاء العلم، ويشف- الوجه- عن سرور الداخل ورضاه. 

قصة الفلفل الأخضر

كان الشيخ يحب الإتقان والإحسان، والدقة البالغة والجودة الفائقة في كل شيء ...فكان مزاجه لا يرضى ولا يقتنع إلا بما تميز وطاب وفاق وساغ من الأشياء . . فلا بد من أن يكون كل شيء متصفا بأعلى ما يمكن من السمات والخصائص والصفات ... 

وأكتفي - بهذا الصدد-  بمثال واحد من قصة حدثت معي شخصيا .. ، وهي أن الشيخ السلطانبوري ذات مرة دعاني، وأعطاني عشر بَيْسَات ( عشرة فلوس، والقصة تعود إلى نحو نصف قرن مضى ) ، وقال : يا نعمان ! اشتر لي الفلفل الأخضر، وانتبه ‌: ليكن الفلفل ناضرا طازجا، ناعما دقيقاً، طويلاً مستقيما، غير معوج، متناسب الشكل   إلى ما هنالك من المواصفات الدقيقة .. فقلت : حاضر .. يا سيدي ! سأحاول قدر الإمكان أن أبحث عن " الفلفل" حسب مواصفاتكم .. ثم خرجت  - أخوض الغمرة وأقتحم المعركة - إلى سوق الخضار مستعينا بالله،  أسأله التوفيق والنجاح في مهمتي ... وما من دكان من دكاكين السوق، إلا وذهبت إليه، عسى أجد فيه الفلفل بمواصفاته عند الشيخ  ... إلى أن ظفرت - والحمد لله-  في دكان  بالفلفل الذي وجدته أقرب إلى الصفات التي كان الشيخ حددها  ( من جدَّ وجد ) فاشتريته متوكلا على الله، وراجيا أن ينال من رضا الشيخ، و رجعت به إلى الشيخ، فما إن وقع نظره على الفلفل سر سرورا بالغا .. وقال : مرحى .. مرحى ... لقد أتيت يا نعمان بالفلفل الذي كنت أريده ... جزاك الله خيرا .. 

فحمدت الله تعالى على أنني نجحت في الامتحان، ونال الفلفل من إعجاب الشيخ ورضاه ما جعلني في غاية من الاعتزاز والفرح، لأن الحصول على رضا الشيخ في مثل هذه الأمور لم يكن أمرا ميسورا . . ، ثم انقلبت إلى بيتي مسرورا بوجه مسفر ومحيا طلق، راضيا مرضيّا، شاعرا بنشوة الفاتح، أو قل: ظافرا برضا الأستاذ ودعائه . وكفى بذلك شرفا وسعادة لتلميذ مثلي ..

كنت أرجو أن نجاحي في المهمة ربما يؤدي إلى تشرفي بنظيراتها ... ولكن لم أسعد بمثلها مرة أخرى ...

ليت شعري هل أحمد الله على ذلك .. أم أعتبره من حرماني من خدمة الأستاذ مرة أخرى ٠

بعد الانتهاء من الفقرة السابقة، التي تتعلق بقصة الفلفل، مر بي - خلال قراءتي لبعض كتب التراث - وصف أدبي رائع للتفاح  مما يكاد  يشبه مواصفات  الفلفل المذكور، فقد اعجبني وصف التفاح هذا، بل وهزني طربا لروعته، فأحببت أن أشرك القراء أيضا في إمتاعهم بما  أُخِذت به من سحر  الوصف وندرة تشبيهاته  : " قال الحسن بن وهب  : قال المأمون - وكان بليغا -  قد ذُكر التفاح بحضرته : اجتمع في التفاح الصفرة الدرية، والحمرة الذهبية، والبياض الفضي، والنور القمري، يلذها من الحواس ثلاث: العين لحسنها،  والأنف لعرفها، والفم لطعمها " ( البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي) .


مواصفات سائق:"ركشه"

عندنا - في الهند - مركب يسمى:" ركشه" يجره إنسان، وبعض ذوي الطبائع الرقيقة والأمزجة اللطيفة يأبون الركوب عليه، لأنهم يرون فيه إهانة لكرامة الإنسانية وإساءة إلى شرفها ...

هذا المركب يكاد يتلاشى الآن  لِمَا أحدث من مواصلات جديدة متنوعة ..

على كل .. كان هذا المركب في متناول اليد، رخيص الأجرة، سهل المعبر، يُعِزُّجالسه، ويسهل انتقاله  من مكان إلى مكان في راحة وأمان . 

كانت محطة:"ركشه" على بعد من الندوة، وكان الأساتذة والمشايخ إذا أرادوا الذهاب إلى البلد، كلفوا طالبا أو عاملا بأن يكتروا لهم :"ركشه" من المحطة.

أما أستاذنا الشيخ السلطانبوري رحمه الله، فبما أنه كان صاحب ذوق عال رفيع ومزاج مدقق نفيس، إذا احتاج إلى "ركشه " ، أوصى من يرسله لإحضاره، بوصايا وتوجيهات تتعلق بـ :"ركشه"، وصاحبه بالذات ..

أما بالنسبة لـ :" ركشه" ، فأن يكون في حالة جيدة مضبوطة مريحة، لا تكون له جعجعة، أما صاحبه - الذي يجره - فأن يكون قويا نظيفا حسن المظهر .. وما إلى ذلك..

رحم الله أستاذنا السلطانبوري، فقد كان من نوادر الرجال، الذين يُعَتبرون زينة لمجتمعاتهم وفخرا لأهلها، ومن الذين صاروا أعز من بيض الأنوق :

تغربتُ     أسأل   من    قد    أرى 

من الناس هل من صديق صدوق

فقالوا :      عزيزان   لن    يوجدا 

صديق   صدوق    وبيض  الأنوق (١)

المزاج الديني الخالص

رأى عالما حليق اللحية من بلد عربي، فسأل عن عمله، فقالوا : يدرٌِس تفسير القرآن الكريم، فأخذته الدهشة،  وكأنه في حُلم ..و لا يكاد يصدق ما ترى عينه، وقال مستنكرا : " الله . . الله . . نعيش الزمان الذي يُرى فيه مدرس القرآن الكريم وهو محلق اللحية ..."

وهذا عندنا من المحال ... أن يكون عالم، أو إمام، أو مفت، أو قاض، أو حتى موظف صغير في مدرسة دينية محلقا للحية ...بل حتى قصار اللحى يصعب أن يولٌَوا مسؤولية دينية كبيرة...

عندنا الشعب - وإن كان هو نفسه مقصرا في الالتزامات الدينية- ولكنه لا يرضى بأي حال أن يكون من يأتسي به - من العلماء والأئمة - دون مستواهم هم ... فليجب أن يكونوا - المقتدى بهم - على شرف المسؤولية وقداستها وحرمتها .

لقد كان رحمه الله ذا علم جامع، وتدريس رائع، ورأي ثاقب، وبصر نافذ، ونصح صادق، وتنبيه نافع، وخلق ماتع، واتصاف بكل ما يرفع قدر المرء لدى معارفه وخلانه، ويحببه إليهم .

فوالله كان نعم الأستاذ .. ونعم الإنسان .. ونعم المربي .. 

فياله من رجل .. !


وبعد . فهذه نتف قصيرة من حياة  أستاذنا الغالي الشيخ السلطانبوري رحمه الله مما كان يتميز به من المزايا والخصائص، وهي جهد المقل .. على : ( إن جهد المقل غير قليل )  .


أولئك أساتذتي فجئني بمثلهم 

إذا جمعتنا يا جرير    المجامع


الهوامش

(١) الأنوق: العُقاب ، و في الأمثال: أعز من بيض الأنوق، يضرب لما لا سبيل إليه .


(الأربعاء : ٥ من شوال ١٤٤٤ھ= ٢٦ من أبريل ٢٠٢٣م ) . 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلامة السيد سليمان الندوي

سلام على صاحب التضحية الكبرى

كان الوستانوي أمة وحده