بين ترف أصحاب الحكم وشظف أهل العلم
من ذاكرة التاريخ
بين ترف أصحاب الحكم وشظف أهل العلم
محمد نعمان الدين الندوي
لكناؤ، الهند
المال خير ونعمة، وشرف وعزة، يكسو صاحبه مهابة وكرامة، ويبوؤه درجة عالية بين أقرانه وخلانه، ويوصله إلى القصور وأصحاب القرار والنفوذ.
والمال -كذلك- لسان فصيح، وسلاح مؤثر، وورقة رابحة في حياة البشر، بالأمس واليوم والغد، «ولكن الغنى رب شكور»، وفي هذا المعنى يقول القائل:
وتقدم الأصحابَ فاستمعوا له
ورأيتــه بيـن الــورى مختــالا
لولا دراهمه التي يزهو بها
لوجدته في الناس أسوأ حالا
إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهابة و جلالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحـة
وهي السـلاح لمن أراد قـتــالا
ونظرًا إلى أهمية المال هذه، ينسب إلى بعض كبار العلماء الصالحين من سلف هذه الأمة، قولهم: «لو لا المال لتمندلوا بنا». أي لاستخف الناس بنا كالمناديل التي لا قيمة لها ولا أهمية، يُرْمَى بها -بعد استعمالها- في سلة المهملات.
ومن هنا نرى كثيرًا من البشر -إلا من رحم الله- أنهم ينظرون إلى الفقراء نظرة فيها شيء من الدون وقلة التقدير، ولذا يقول القائل:
يمشي الفقـير وكـل شــيء ضـده
والـنــاس تغـلــق دونـــه أبـوابـها
وتـراه ممـقـوتًــا وليــس بمــذنب
يـرى العــداوة و لا يـرى أسـبـابـها
حتى الكلاب إذا رأت رجل الغنى
حنَّــت إلـيــه وحـرَّكــت أذنــابـها
وإذا رأت يومًـــا فقــيرًا ماشـيًـــا
نبحـت علـيـــه وكـشَّــرت أنيابـها
و يقول شاعر آخر:
ذريني للغنى أسعـى فإني
رأيتُ الناس شرهم الفقير
وأبعدُهم وأهونُهم عليهـم
وإن أمسى لــه كرم وخِير
ويُقْصِـيه النِّـدِيُّ وتـزدريـه
حليلَتُـه، وينـهرُه الصغــير
وتلقى ذا الغنى وله جلالٌ
يكاد فؤاد صـاحبـه يطــير
قليل ذنبـه، والـذنب جـــمٌّ
ولكــنَّ الغنــى ربٌ غـفــور
(الخِير ، بالكسر: الشرف و الأصل )
*****
ذُكِر المالُ في القرآن الكريم في معرض الامتنان على الرسول صلى الله عليه و سلم: «ووجدك عائلًا فأغنى».
إن المال إذا أحسن صاحبه إنفاقه في وجوه الخير والبر في إخلاص واحتساب، زاده الله أجرًا وفضلًا وبارك له فيه.
لقد أثنى القرآن الكريم على أصحاب المال، الذين يوجهونه لخدمة دينهم، وأمتهم، وجعل أجرهم عظيما، ومنزلتهم رفيعة.
يقول الله تعالى: «الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون» (٢٧٤: البقرة).
ويقول الله تعالى: «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم » (٢٦١: البقرة).
وسمَّى الله تعالى المال: «الخير» : «وإنه لحب الخير لشديد»، وأوْدِعَ الإنسانُ حُبَّه والميلَ إليه؛ لأنه قوام الحياة وعمادها، فبه تقضى الحوائج، وتُنَال المقاصد، وتلتئم الجراح، وقد قالوا: «الدراهم مراهم، لأنها تداوي كل جرح، و يطيب بها كل صلح».
ومن هنا قال بعض الفرس: " من زعم أنه لا يحب المال فهو كاذب " .
ثم المال ليس خيرًا محضًا، ولا شرًّا محضًا.
و لكنها حقيقة -أيضًا- وكما هو معلوم ومشاهد أن المال كثيرًا ما يُطغِي صاحبَه؛ فينسيه ربه، ويجعله يَتَفَرْعَن ويتَنَمْرَد، ويوقعه في حوض اللذات، ويرديه في حفرة الشهوات.
ثم هناك فرق آخر -أيضًا- بين صاحب المال وصاحب المال، أو بين الغَنِىِّ والغَنيِّ؛ فالغنيُّ الكبير العريق في الغنى لا يتظاهر بما يتظاهر به: «المُحدَث في الغِنَى» من الحركات الطائشة الخفيفة، التي تُسْقطه من الأعين .
وهناك مال يبارك الله فيه، ومال لا يبارك الله فيه بنص الحديث الشريف نفسه:
عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال سألت رسول الله، فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي : يا حكيم: «إن هذا المال خضر حلو؛ فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس، لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى».
جاء في وصايا لقمان لابنه: «يا بني استعن بالكسب الحلال، فإنه ما افتقر أحد إلا أصابته ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، ووهاء في مروءته، وأعظم من هذا استخفاف الناس به».
ومما أثر: لو كان الفقر رجلًا لقتلته. ومن أمثلة العرب: لا تنم بجوار جائع فيأكلك.
*****
هذا. ومن حقائق التاريخ الإسلامي العجيبة أن الفقر كان -ولا يزال- من نصيب الأغلبية من أهل العلم ورجال الدين، كأن بينهما -بين الفقر وبين العلم والدين- إخاءً وصداقة، أو ملاءمة ومجانسة، أو عهدًا وميثاقًا، وتعاقدا على أنهما يتعايشان جنبًا إلى جنب، ويتزاملان، ولا يفترقان إلا نادرًا أو شاذًا.
أو كأن الفقر إذا رأى عالمًا، خطب إليه صداقته، فلا يسع العالمَ البائسَ المسكينَ إلا ويقبل صداقته طوعًا أو كرهًا..
فما رأينا ولا سمعنا عن علماء يُعَدُّون من ذوي السعة والثراء وأصحاب الغنى والرخاء إلا قليلًا جدًّا؛ فلم يكن من حظهم إلا القوت و الكفاف و القناعة . (والقناعة: الاقتصار على ما دون الكفاية).. وكان أكثرهم أو الكثير منهم -ولايزالون- يعانون الضائقة والبؤس وقلة ذات اليد، ويستقطرون الرزق من مختلف مصادره. ويلقون في سبيله نصبًا... يقول الشاعر:
قلت للفقر: أين أنت مقيم
قال : في عمائم الفقهاء
إن بينــي وبينـهـم لإخــاءً
وعزيـز علـيَّ تـرك الإخــاء
وهذا العالم الفقيه عبد الوهاب المالكي كان يعيش في بغداد، فضاق به الحال، فقرر الرحيل من بغداد وقال للناس: والله لو وجدت رغيفين كل صباح ومساء، ما عدلت عن بلدكم هذا، ثم قال:
بغــداد دار لأهــل المـال طيبـة
وللمفاليس دار الضنك والضيق
ظللت حيران أمشي في أزقتها
كأنني مصحف في بيت زنديق
وفي جانب آخر.. إذا استعرضنا حياة الحكام و الأمراء.. وجدناها حياة ترف وبذخ، كأن بين السلطة والغنى صداقة حميمة، وقرابة وشيجة، و نسبًا و صهرًا. أو كأنهما -السلطة والغِنى- رضيعا ثدي وضجيعا مهد ورفيقا درب، وتوءمان لا يفترقان..
ففي جانب غاية في الفقر والعسر وضيق الحال.. وفي جانب آخر نهاية في الترف والبذخ والإسراف والتبذير، والتقلب في أعطاف النعيم.
فما رأينا ولا سمعنا عن حكام فقراء معسرين إلا في الخلافة الراشدة، أو ممن يعدون على الأصابع بعدها .
والتاريخ مليء بالحكام المترفين وقصص غناهم الخيالي، وبذخهم الأسطوري. وإغراقهم العجيب في قضاء شهواتهم، والاستمتاع بملذات الحياة إلى حد الجنون والهوس.
ولا شك أن هذه الناحية من تاريخنا المجيد ناحية مظلمة سوداء، تسود -فيما تسود- بعض صفحاته البيضاء، وتشوه صورة الإسلام الناصعة البياض، وتسيء إلى سمعة أهله..
ولكنها -الناحية المشار إليها- حقيقة واقعة لا تُرْفَض.. حقيقة غير مشرقة ولا مُشَرِّفة.. ومما لا يعتز به بطبيعة الحال..
فكان الترف والبذخ قد فشا في الطبقات الحاكمة الموسرة على حساب الطبقات الفقيرة، حتى صدق في ذلك قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «ما رأيت إسرافًا قط إلا وإلى جانبه حق مُضَيَّع».
لقد ضاعت حقوق الشعب من جراء الإسراف وإمعان الخلفاء والأمراء ومن يحيط بهم في التأنق في المأكل والمشرب والملبس وبقية اللذائذ، حتى بلغت الحال بالوزير ابنِ الفرات أن يأكل بملاعق البلُّور، وما كان يأكل بالملعقة إلا لقمة واحدة؛ فكان يوضع له على المائدة أكثر من ثلاثين ملعقة، وكان المهلَّبي كثير الولع بالورد، روى شاهدٌ فقال: شاهدتُ أبا محمد المهلبي قد ابتيع له في ثلاثة أيام وردٌ بألف دينار، فرش به مجالسه، وطرحه في بركة عظيمة، كانت في داره ولها فوارات عجيبة، يطرح الورد في مائها، فتنفضه على المجلس، فيقع على رؤوس الجالسين، وبعد شربه عليه وبلوغه ما أراد أَنْهَبَه.
وكان الوزير المهلبي هذا غاية في الأدب والمحبة لأهله، معروفًا بعطفه على أهل الأدب والعلوم، فأحيا ما كان درس ومات من ذكرهم، ولما مات، مات بموته عن الكُتٌَابِ الكرمُ والفضل، وصفه أحد الأدباء فقال: كان أبو محمد المهلبي يناصف العشرة أوقات خلوته، و يبسطنا في المزح إلى أبعد غاية، فإذا جلس للعمل كان امرءًا وقورًا، ومهيبًا محذورًا.
ولا ريب في أن طبيعة الحياة في ذلك الزمان كانت تدفع فئة من الأدباء وأهل الفكر إلى التماس العيش في ظلال الحكام والوقوف على أبوابهم، راصدين الفرص للتسلل إلى الداخل حيث العيش الهنيء والحياة الرغيدة، فيبقون ببقاء ذلك وينصرفون بعد زواله، وليس من صورة أمتع من التي رسمها الثعالبي (في يتيمة الدهر ٢/ ٣٠٩) عن نوع الحياة الاجتماعية واستمتاع أهل الأدب من قريب أو بعيد بعشرة الحكام وإسرافهم ومشاركتهم لهم في تبذلهم وسفههم ومجونهم، قال: كان في جملة القضاة الذين ينادمون الوزير المهلبي ويجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على اطِّراح الحشمة والتبسط في القصف والخلاعة، و هم ابن قريعة وابن معروف والقاضي التنوخي وغيرهم، وما منهم إلا أبيض اللحية، طويلها، وكذلك كان الوزير المهلبي، فإذا تكامل الأنس، وطاب المجلس، ولذَّ السماع، وأخذ الطرب منهم مأخذه، وهبوا ثوب الوقار للعُقار، وتقلبوا في أعطاف العيش بين الخفة والطيش، ووُضِع في يد كل منهم كأس ذهب من ألف مثقال إلى ما دونها مملوءا شرابا قُطر بليًّا أو عُكبريًّا، فيغمس لحيته فيها بل ينقعها، حتى تتشرب أكثره، ويرش بها بعضهم على بعض، ويرقصون أجمعهم، وعليهم المِصبغات ومخانق البَرَم والمنثور...؛ فإذا أصبحوا عادوا لعادتهم في التزمت والتوقر والتحفظ بأبهة القضاء وحشمة المشايخ الكبراء.
هذه نماذج وأمثلة من الحياة المترفة المسرفة، الباذخة اللاهية العابثة، الغارقة في الملذات والشهوات، التي كان يعيشها الكثير من الحكام والأمراء في بلاد الإسلام الأصيلة..
بعد عرض نماذج من هناك.. ينبغي -أيضًا- أن نلقي بعض الضوء على حياة الإسراف والبذخ والترف، التي كان يعيشها حكامنا هنا.. في بلدنا هذا: الهند.
كما هو معلوم أن الهند كانت بلغت القمة في الثراء والغنى في إبان فترة الحكم الإسلامي للهند، حتى أنها كانت تسمى: «طائر الذهب».. دليلًا واضحًا على الثراء العظيم، الذي كانت تتمتع به الهند في العصر الإسلامي.
و لم يكن حكام الهند وسلاطينها -إلا من رحم الله- بأقل إغراقًا في مظاهر الترف والبذخ من نظرائهم في الممالك والدول الأخرى.
وكأن -هناك- سباقًا كان بينهم، ومنافسة ورهانًا في التمتع بملذات الحياة إلى آخر حد، كان بإمكانهم أن يبلغوه.
فمما قرأنا وسمعنا من مظاهر الأبهة و الفخفخة، ومن ألوان الترف والعظمة والشوكة لبعض ملوك الهند، أنهم كانوا يوزَنُون ذهبًا وفضة وجواهر ثمينة بمناسبة أعياد ميلادهم كل سنة.. تكاثرًا بأموالهم، وتفاخرًا بجاههم، وتظاهرًا بالمظاهر البراقة المبهرة.
كانت -في الهند- ولايات مستقلة حرة في كثير من شؤونها، وكان ولاة الأمر فيها يسمون: «نَوَابْ» -بفتح النون، وفتح الواو المخففة، والجمع: نوابان، أو نوابوں، بضم الباء المجهولة -.. هؤلاء: «النواب» هم الآخرون -أيضًا- لم يكونوا بمقصرِّين في هذا الجانب.. جانب الغرق في العيش الناعم اللذيذ الهانئ..
عندنا -في الهند- وجبة تسمى: «كِہْچْڑِي»، من أجزائها الرئيسية: الأرز وبعض أنواع العدس، وهي وجبة خفيفة تؤكل -خاصة- عندما يكون البطن تعبان، وهي تعتبر وجبة رئيسية للفطور فى جنوب الهند.
الشاهد هنا أن لدى نواب -حكام- بعض الإمارات الهندية السابقة كانت هذه الوجبة تعد إعدادا ملكيا خاصا، يكفي دليلًا على ما كانوا بلغوه من الإسراف والتبذير والتمتع بملذات الحياة، وهو أن اللوز كان يُنْحَت رزًّا، والفستق كان ينحت عدسًا، لكى تصنع من ذلك وجبة: "کہچڑی الملكية ".. ، ثم كان يتناول منها «نواب صاحب» - صاحَبْ: كلمة إجلال وإكبار- وأصحابه من جلسائه وضيوفه.
في جنوب الهند كانت ولاية تسمى: «ولاية حيدرآباد»، ولعلها كانت تُعَدُّ أغنى ولايات الهند، وكانت ولاية عظيمة، لها نظامها الخاص بالسكك الحديدية والطيران المدني، وكان حاكمها يلقب بـ: «نظام» -بكسر النون وفتح الظاء المخففة-.
كان حكام حيدرآباد يُعَدُّون من أغنى الحكام المسلمين آنذاك، وكان لهم شغف خاص بالأعمال الخيرية والشؤون التعليمية وتشييد العمائر والأبنية الشامخة؛ فبنوا الجوامع والجامعات والمستشفيات والقصور والقلاع.
ولا تزال توجد إلى الآن في بعض قصور آخر حكام حيدرآباد من الأمتعة و الأثاث- من السجاد الفاخر، و أسِرٌة النوم، والدواليب، والكراسي، والفوانيس، وأدوات إراحة الحياة وتنعيمها، وما إلى ذلك- ما يجعل المشاهد يحتار ويندهش وينبهر، ويكاد يصاب بنوع من الذهول والسكتة -لرؤية بقايا من الأمتعة من أدوات الترف والبذخ ووسائل ترفيه الحياة التي كان يعيشها حكام الولاية- ولا يكاد يحكم: هل يفرح.. أم يبكي..؟
كذلك في حيدر آباد متحف معروف يسمى: «متحف سالار جنگ»، نسبة إلى صاحبه: «سالار جنگ»، و«سالار جنگ» هذا لم يكن «نظام حيدر آباد»، أي لم يكن حاكمها؛ وإنما كان رئيس وزرائها.
هذا الرجل -سالار جنگ- كان مولعًا -بل مهووسًا- باقتناء أنفس وأندر وأغلى الأشياء، إنه عاش حياته أعزب، فلم يكن متزوجًا، ولكنه -كما يقال- كان تزوج الفنون اللطيفة، والأشياء النادرة، فما كان يسمع بشيء نفيس أو جميل أو طريف أو لطيف.. إلا وحرص على الحصول عليه مهما كان غاليًا، ومهما كان في أقصى أنحاء المعمورة، ومهما كلفه ذلك من تعب أو ثمن، فكان لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، إلا بعد أن يستجلبه، ويُقِر به عينه، ويناغي ذوقه ويزيّن بيته، ويتفاخر به على أقرانه.
و«متحف سالار جنگ» هذا يضم ويحتوي على مقتنيات هذا الرجل، التي كان ادخرها وأتى بها من أنحاء الدنيا كلها.
ومبنى المتحف مبنى شامخ ذو عدة طوابق، شُيِّد خصيصًا لتحفظ فيه مقتنيات الرجل.
وهذه المقتنيات النفيسة الغالية العجيبة كثيرة كثرة لا تعد ولا تحصى، فوالله لو أعدت قائمة بأسماء محفوظات هذا المتحف لملأت آلاف الصفحات، وقيمة ما يحتوي المتحف -مما كان يملكه هذا الرجل- تقدر بالبلايين لا بالملايين من الدولارات.
ومن أطرف وأعجب ما يحتوي المتحف: دقاقة (clock) -ساعة ضخمة- ما رأيت مثلها قط في حياتي، أغلب الظن أن الدقاقة/ الساعة هذه كانت صُنعت بطلب خاص من صاحبنا الهاوي لجمع النفائس والنوادر، والغرائب والروائع والعجائب.
إن هذه الدقاقة يرغب في مشاهدتها الكبار والصغار والرجال والنساء على السواء.
فما هي الخصيصة التي ينجذب -بها- الناس إلى الدقاقة، ويهرعون إليها؟
وهي -الخصيصة- فعلًا جاذبة ماتعة..
فهي: يخرج -لدى تمام كل ساعة- من داخل الجهاز -أي الدقاقة- رجل صناعي يحمل مطرقة بيده، ويدق بها الجرس عدد الساعات، أي إذا اكتملت الساعة الخامسة -مثلًا- ، دق الرجل خمس دقات أو خمس مرات، وإذا تمت السادسة، ضرب الرجل ست مرات، و هكذا دواليك..
الزحام أكثر ما يكون.. عند تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا .. لكثرة الدقات..
فإذا حانت الساعة الثانية عشرة، بدأ الناس يتجمعون حول الجهاز قبل دقائق من الموعد، فما إن تصل العقرب إلى تمام الساعة الثانية عشرة، إلا ويخرج الرجل حاملًا المطرق بيده، ويضرب به الجرس اثنتي عشرة مرة، ثم يرجع فورًا إلى حيث أتى.. ويضج المكان بالأصوات والصفير والهتافات ابتهاجا بالمنظر المفرح الممتع.
هذه لمحات خاطفة من حياة بعض حكام الهند المسلمين وهواياتهم، وغرقهم في إشباع حاجاتهم من ملذات الحياة.
صحيح أن لهم مآثر لا نزال نعتز بها لحد الآن، وصنائع أفادت البلاد والعباد، و هي مسجلة في صفحات التاريخ بمداد من التقدير والعرفان بالجميل.
ولكن نواحيهم السلبية تكاد تغطي نواحيهم الإيجابية، وتمحو آثارها.
لو كانوا اهتموا بناحية الدعوة وبناء الإنسان، عشرَ معشار الاهتمام الذي بذلوه في ناحية تشييد البنيان، أو إرضاء شهواتهم.. لَما عشنا ما نعيشه الآن من هذا الوضع الذي لا يخفى على أحد.
المصادر
-الصداقة والصديق لأبي حيان التوحيدي .
-الموسوعة الشرباصية للدكتور احمد الشرباصي .
-كما استفدنا من مقال منشور في مجلة المجتمع الكويتية. (العدد: ١٤٤٥، ١٣ محرم الحرام ١٤٢٢ھ ) .
( الأحد : من جمادى الأولى ١٤٤٤ھ = ٢٧ من تشرين الثاني- نوفمبر - ٢٠٢٢م ).
تعليقات
إرسال تعليق