لقد ظهر الحب والبغض كلاهما معًا..!
من وحي الأيام
لقد ظهر الحب والبغض كلاهما معًا..!
محمد نعمان الدين الندوي
لكناؤ، الهند
على أرض قطر العزيزة بمناسبة المونديال التاريخية ظهر الحب والتضامن مع الشعب الفلسطيني، والتأييد والنصرة لقضية فلسطين بشكل لفت انتباه العالم كله، فاسم فلسطين يدوي في أجواء قطر الشقيقة، وعَلَمُها- ذو الألوان الأربعة- يرفرف في كل ناحية من أنحائها.
ليس العرب وحدهم.. بل العديد من مواطني أوروبا -كذلك- يعربون عن تأييدهم للقضية الفلسطينية العادلة، ويهتفون بتحرير «فلسطين».
كما عرف العالم -بهذه المناسبة العالمية القطرية- ما يحمل المسلمون عربهم وعجمهم، بل والمنصفون الأحرار في قلوبهم من الكراهية لما يسمى: « إسرائيل» تلك الدولة المحتلة المُقامة على الأرض الفلسطينية العربية الإسلامية.
لقد ظهرت هذه الكراهية العربية الإسلامية جهارًا نهارًا على المنصة العالمية عبر المونديال القطري، ولم تعد خافيةً على أحد، والحقيقة لا تُضغَط ولا تُخفَى.
فقد رأى العالم كيف استُقبِل الوافدون من إسرائيل استقبالًا يستحقونه.. فقد استقبلوا استقبالًا بكل فتور لا بحرارة، واستنكارٍ لا بحفاوة، وكراهيةٍ لا بمحبة..
لقد رأى العالم وسمع كيف يقول العرب للوفد الإسرائيلي بصراحة: نحن -العرب والمسلمين- لا نعرف دولة اسمها «إسرائيل» إننا لا نعرف إلا فلسطين!
قالت صحيفة «الغارديان» الإسرائيلية نقلًا عن عضو في الكنيست الإسرائيلي: كان وجود فلسطين محسوسًا بقوة في كل ملعب، علم فلسطين يرفرف في كل مكان، بعد سنوات من شعورنا بأن القضية الفلسطينية أقل أهمية بين العرب، أوضحت الشعوب العربية أن هذه القضية القضية المركزية للأمة العربية بأكملها.
إن القضية ليست قضية رياضية معقدة، أو عملية حسابية دقيقة يحتاج حلُّها إلى الاستعانة بأصحاب الخبرة والاختصاص، المهرة في الحساب، أو أحجيةً غريبة محيرة للعقول، أو لغزًا لطيفًا يعيي فكُّه كبار الأذكياء!
إنها قضية العقل والمنطق؛ فالأمر بسيط جدًّا.. ميسور الفهم.. مثل الاثنين إذا ضرب في الاثنين صار أربعة.
المظلومون لا يرحبون بالظالمين.
والمعتدَى عليهم لا يحبون المعتدين.
والمخرَجُون من ديارهم لا يعاملون المحتلين إلا ما يستحقون.
فهذه الكراهية العربية الإسلامية للدولة المزروعة -ظلمًا وعدوانًا واغتصابًا في أرضنا العربية الإسلامية- كراهية طبيعية. كراهية مؤيدة من الله، ومرحب بها من جميع منصفي العالم وأحراره.
هذه الكراهيّة الشاملة للقوم شيء طبيعي، لا ينكره أي دين صحيح.. ولا عرف ولا قانون، ولا يعترض عليه أي عاقل ذو حس وضمير..
فهل سمعتم -أيها العقلاء!- بأن المظلوم يحب الظالم، ويحمل له مشاعر طيبة، أو يرحب صاحب الدار المغتصَبَة بالمغتصِب الجاني، ويفرش في طريقه السجاد الأحمر، أو يحييه تحية إجلال واحترام، ويقول له: أهلًا وسهلًا ومرحبًا..
والظلم ظلم، أينما كان وأيَّا كان أصحابه، لم يُقبل قط ماضيًا، ولا يُقبَل حاضرًا.. ولن يقبل مستقبلًا.
ولا يبرَّر ولا يصَحَّح.. بأي منطق مهما كان مفحمًا.. أو حجةٍ مهما كانت دامغةً..
وهل هناك ظلم أظلم وأشنع وأبشع من أن يُطرَد السكان الأصليون من وطنهم، ويشَرَّدوا هنا وهناك، ويساق إلى أرضهم المُهَجَّرون من شذاذ الآفاق ممن لاوطن لهم ولا مأوى..
كما كان قال مفتي فلسطين أمين الحسيني :" إن فلسطين ليست وطنا بغير شعب، حتى تستقبل شعبا بغير وطن " .
إن هذا لشيء عجاب.. وظلم صراح.. يئنُّ منه الظلم نفسُه!!
ألا إن قضية فلسطين جرح لم يلتئم بعد ولن يلتئم إلا بعد أن تحرر فلسطين..
إن خمسة وثمانين في المئة من الشعوب العربية يعارضون تطبيع العلاقات مع الدولة المحتلة .. كما أسفرت عن ذلك دراسةٌ أجريت أخيرًا!
ثم إن قضية فلسطين -كما يعرف الجميع- أكبر من قطعة أرض، وأعظم من مدينة، وأجلُّ من عاصمة الدولة الفلسطينية، وأخطر من كونها محور وجوهر وقلب الصراع العربي اليهودي..
إنها كل ذلك... وأكثر وأكبر من ذلك بكثير وكثير!
ولكنها -أولًا، وقبل كل شيء- قضية الإيمان والعقيدة، إنها قضية الحرم المقدس، قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
إنها قضية مدينة «القدس» المباركة التي ما فارقها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدينة حبيبه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلا من أجلها، وما صدح بلال بن رباح بالأذان بعد لحاق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى إلا على أرضها، فأثار بصوته الشجي الندي شجون الصحابة، واستحضروا ذكرى نبيهم الكريم، فجرت عيونهم دموعًا.
إنها قضية ترتبط بمسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقطة عروجه إلى السماوات العلى، وقضية أرض أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بكونها أرضا طيبة طاهرة ذات بركة وسلام، لكونها منزل ملائكة الرحمان، فقال: «يا طوبى للشام، يا طوبى للشام، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبم ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام» (حديث صحيح).
إنها قضية أرض الأنبياء، مثوى إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ويوسف، ولوط، وسليمان، وداود، وصالح، وزكريا، ويحيى وعيسى عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.
فقضية فلسطين قضية إسلامية بحتة، قضية المسلمين جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها.
إذن مسؤولية تحريرها تعود إلى المسلمين كافة.
وأخيرًا -لا آخرًا- شكرًا للحبيبة قطر التي أتاحت فرصة سانحة- عبر منصة عالمية مشهودة- للتعبير عن الاستنكار لما يستحق الاستنكار..!
(السبت : ٢٢ من جمادى الأولى ١٤٤٤ھ = ١٧ من كانون الأول( ديسمبر ) ٢٠٢٢م
تعليقات
إرسال تعليق