مسك الختام للعام - الحلقة (٢)

من وحي الأيام

مسك الختام للعام

الحلقة (٢)


محمد نعمان الدين الندوي

لكناؤ ، الهند


وما اليوم إلا مثل أمس الذي مضى

ومثل   غد   الجائي   وكل   يذهب

 

بقدرما كان أحد  الحدثين الأبرزين  -من أحداث العام الماضي (٢٠٢٢) - حدثا مُؤْنِسا للنفوس و مفرحا للقلوب و ناثرا المسرات والأفراح في الأجواء،  مبعدا الهمومَ والأحزان . . كان ثانيهما نقيضَ الأول تماما . . 

فكان - الحدث الثاني الأبرز- مؤيسا للنفوس، محزنا للقلوب،معكرا للأجواء،  مسببا للهموم والأشجان .

فبينما الحدث الأول يمكن أن  يُعتبر :" المثل الأعلى " في الأفراح والمسرات .. يعتبر الثاني - بلا نزاع - :" المثل الأسفل " في المآسي والآلام . 

فهذا الحدث ما أتى إلا بالشر والشر فقط . .

و إن أمثاله لا تقع فجأة أو اعتباطا أو عفوا .. بل يُتَعَمَّد إيقاعُها، ويُبيَّت لها  بسرية أحيانا .. أو يُجهَر بالتخطيط لها علانية أيضا في بعض الأحيان . . ، ثم تُنَفَّذ على أرض الواقع بكل وقاحة وشقاوة .. 

لعل القراء قد تفطنوا للحدث الذي أشير إليه  ..

إنه: الحرب الروسية الأوكرانية

الحرب حرب . .

الحرب . . وما أدراك ما الحرب . . ؟

إنها مَتلَفَة العباد . . مُذْهِبَة للطارف والتلاد .  

و عقيمة - عادة- عن الخير والإسعاد .. إنها نذير شؤم  وشقاء وبلاء .. فلا تأتي إلا بالشر والشر فقط لكلا الطرفين . . و إن كان أحدهما يسمى غالبا أو منتصرا . . 

الإنسان منذ أن خُلق .. لم يزل - للأسف - في خصام وقتال .. ففي مطلع حياة بني آدم على هذه  الأرض  .. كان قُتِل شقيق بيد شقيقه... والقصة معروفة لا تحتاج إلى إعادة .

و منذ ذلك اليوم المشؤوم .. لم تتوقف سلسلة القتل والقتال وسفك الدماء ...

والعجيب أن الحرب رغم أنها ما زالت -ولا تزال-  تُعتَبر نقيضَ بهاء الحياة وبغيض الأحياء ومكروهَهم منذ أزل الدهر ..  لم تخل فترة من فترات التاريخ من شروررها وويلاتها ..، ولم تبذل قط مساع جادة لوقفها، فما انقطعت سلسلتها قط، وكأنها ضرورة من ضرورات الحياة، و لعل إلى ذلك يشير قوله تعالى:" ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين " ( البقرة ٢٥١) .

فالحروب والمعارك في الدنيا  لا أول لها ولا آخر . . حروب بأتفه الأسباب . . مثل ما ذكره المؤرخون في سبب  حرب البسوس التي كانت اندلعت بقتل ناقة شربت الماء من البئر بدون الإذن،  فقُتِلت، فأدت إلى اندلاع الحرب التي استمرت أربعين عاما .

فكأن الحياة البشرية عبارة عن سفك الدماء و الإفساد في الأرض، فقد وقع ما حذره الملائكة : ( و إذ قال ربك ربك للملائكة إني جاعل في الأرض قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) .

فلم تخل حقبة من الزمن إلا وتفجرت فيها الحروب واندلعت المعارك، وكان وراء معظمها شهوةُ توسعة حدود النفوذ ومدّ نطاق السيطرة على أكبر قدر ممكن من أرض الله . . 

فكيف يمكن أن يكون العصر الحديث - الذي تميز بكونه عصر الفساد الشامل بجميع ألوانه التي يمكن أن تصورها مخيلة الإنسان-  سليما من آفات الحروب وشرورها، و قد شهد القرن الماضي الحربين العالميتين :  الأولى ( 1914 - 1918) والثانية ( 1939 - 1945 ) ، و يعرف الجميع ما خلّفتا من الخسائر في الأرواح والممتلكات ما يخرج عن الإحصاء ... إضافة إلى الحروب المحلية التي كثيرا ما تقع - من حين لآخر- بين البلاد المجاورة، والتي هي الأخرى تؤدى إلى دمار شامل مما لا يخفى على أحد.

فهذه الحرب الروسية الأوكرانية - كما هو معلوم -  قد اكتملت لها عشرة أشهر، فقد كانت بدأت في 24 من فبراير 2022م ، و كبَّدت هذه المعركة الضروس كلا البلدين الخسائر الفادحة في النفوس البشرية والأسلحة والذخائر و ما إلى ذلك.. فقد راح ضحيتها عشرات الآلاف من الجنود الروسيين والأوكرانيين .

إلى متى تستمر هذه الحرب ..؟ الله أعلم ! 

ولكن المؤشرات تشير إلى أن الحرب ما زالت بعيدة من نهايتها .

فحسب تصريح الخبراء : " أن زيلينسكي هو من أوصد مغاليق الأبواب النحاسية في وجه رؤى إنهاء الحرب .

كما بات واضحا بل ومؤكدا، من خلال زيارة زيلينسكي الأخيرة لأمريكا أن واشنطن راغبة -عطفا على أنها قادرة- في صب مزيد من الزيت على النار، وذلك من خلال التخطيط لإرسال بطاريات( باتريوت ) إلى أوكرانيا، وإن اقتضى الأمر بعض الوقت لتدريب الأوكرانيين على طرق استخدامها،

تبلغ حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة لأوكرانيا نحو ملياري دولار، فيما هناك في الطريق حزمة أخرى تبلغ نحو 45 مليار  قید الإعداد،و رغم أنها ليست كلها عسكرية، فإنها تمثل التزاما أمريكيا رسميا وعلنيا من قبل إدارة بايدن لدعم أوكرانيا، ودفعها في طريق المزيد من النار والدمار" ( الشرق الأوسط، ص: ١٤ - ٢٠ / ١٢ / ٢٠٢٢م ) .

هذا . و يحذر الخبراء من أن الحرب قد تؤدي إلى الحرب العالمية الثالثة إذا استمرت طويلا ... 

فكيف تنتهي .. ؟ و جميع الأطراف المعنية وغير المعنية.. لا رغبة لها في إنهائها .. !

ندعو الله سبحانه أن يوفق الإنسان لكل ما فيه خير الإنسانية، ويهديه إلى ما فيه رشده وصوابه.

و بما أن ختام:" عامنا الماضي : ٢٠٢٢ " كان ختاما جديرا بأن يسمى :" ختام المسك " . ختاما سارا مبهجا ، جاء بأفراح ومسرات تمثلت في :" المونديال " القطري، ذلك العرس الرياضي العالمي الأكبر، وذلك الموسم الترويحيّ التفريحيّ، الذي أضحك السن، ونثر المحبة، ووزع المسرة، وجمع الشتيت، وقرب البعيد، وآنس الغريب، وودع الفرقة، و ... و... 

فبما أن توديع العام - الماضي - كان في مثل هذا الجو المرح المطرب... نتفاءل به .. نرجو به فأل خير لعامنا الجديد .. 

فالتفاؤل هو المنهج النبوي.. فلا نيأس و لا نصاب بالإحباط و القنوط.. بل نعتقد أن الظلام الحالك يشير إلى دنو الصبح وطلوع الشمس .

فلعل الظروف تتحول، و الدهر يحنو، والظلمات تنقشع، والظلم يذهب، والعدل يسود، والسلام يعم،  والعداوات تزول أو تقل، والصداقات تعود، و المرارة تنقلب حلاوة، و الكدر صفاء .

و ما ذلك على الله بعزيز، وهو على كل شيء قدير .

(الاثنين: ٩ من جمادى الثانية ١٤٤٤ھ = ۲ من كانون الثاني- يناير- ٢٠٢٣ م ) 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلامة السيد سليمان الندوي

سلام على صاحب التضحية الكبرى

كان الوستانوي أمة وحده