فقيد الأمة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

شخصيات أعجبتني

فقيد الأمة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي


محمد نعمان الدين الندوي

لكناؤ، الهند


الولادة : ٦ جمادى الأولى ١٣٤٨ھ-  ٢ أكتوبر ١٩٢٩م .

الوفاة : ٢١ رمضان ١٤٤٤ھ - ١٣ أبريل ٢٠٢٣م .


تفيض عيونٌ بالدموع السواكب

وماليَ لا أبكي على  خير  ذاهب 


دعا شيخ الملة الحنيفية وإمامها إبراهيم - عليه الصلاة والسلام- ربه، فقال: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين} ، ولسان الصدق -كما قال مجاهد وقتادة- :"الثناء الحسن" .

ولقد استجاب ذو الجلال والإنعام لدعاء الخليل بأن جعل له لسان صدق في الآخرين ممتدا في الأجيال المتعاقبة، منذ أن هتف الخليل بهذا الدعاء .. وإلى أن يرث الله الأرض و من عليها .

والصالحون المتبعون لملة إبراهيم -في كل عصر- لهم نصيب من هذا الفضل الجزيل، وخصوصا .. العلماء الذين هم ورثة الأنبياء لهم نصيب وافر من هذا الذكر العاطر والثناء الحسن و :"لسانِ صدق" الذي دعا اللهَ إبراهيمُ أن يجعله له في الآخرين .

ولما كان الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله وريثَ الأنبياء ومن أتقى عباد الله - ونحسبه كذلك، والله حسيبه، و لا نزكي على الله أحدا - فقد كان له من هذا الفضل نصيب غير منقوص من الثناء الحسن والإشادة بفضائله ومكارم أخلاقه، وجلائل أعماله.

فمن لحظة إعلان وفاة الشيخ محمد الرابع فاضت الألسنة له بالدعاء للمغغرة له، والحب والثناء والتقدير لمآثره، وذِكْرِ صفات زهده وصلاحه وورعه، ودمعت آلاف من العيون، وبكت - كذلك - القلوب  وحزنت على فقده، وتدفق سيل منهمر من المقالات وكلمات العزاء، وأبيات الرثاء تعبيرا عن العواطف والمشاعر في وفاة راعي الأمة وقائدها الحكيم، وتسجيل محاسنه ومكارمه.

حقا ..  أعظم من نصب التذكار وأوسمة الشرف : الثناء الحسن ولسان الصدق في الآخرين، فذكر الراحل عمره الثاني .

فقيد الندوة بل فقيد الأمة بأسرها سماحة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي  وإن انتقل إلى رحمة الله.. ولكنه ما زال حيا .. حيا  في قلوبنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، حيا بذكراه العطرة، حيا بصنائعه ومكارمه، حيا بصفاته وشمائله ..  

يموت من مات ذكره بموته .. 

ولكن أمثال فقيدنا الراحل ( شيخناالرابع) لا يموتون .. بل يحيون وهم أموات  ..


الناس صنفان : موتى في حياتهم

و  آخرون   ببطن   الأرض   أحياء


وليس من أمثاله - فيمن نعرفه من العلماء والقادة - إلا آحاد ..


الفقيد والإمام الندوي

لقد كان فقيدنا الغالي تربى تحت إشراف خاله الإمام الندوي رحمه الله  (والسراج يستنير بالسراج ) ،ونهل من منهله العذب المبارك، واصطبغ بصبغته، وتشرب روحه وفكره، وتولى مسؤولياته ومهامه، فقلدته الأمة خلافته ونيابته، فأدى حق الخلافة والنيابة، فكان شيخنا الوالد خير خلف لخير سلف، كان صنو خاله العظيم في الصفات والشمائل والسمات، في التألم للدين، والتحرق للأمة على أوضاعها، في التحلي بالأخلاق الفاضلة، في قيادة المسلمين قيادة حكيمة، في الاهتمام بالعلم والدين والدعوة نشرا وتبليغا، إلى ما هنالك من المجالات والمسؤوليات  التي كان يضطلع بها خاله الإمام الندوي رحمه الله.

الفقيد قائدا للأمة

لقد حظي الشيخ محمد الرابع رحمه الله من حب الأمة - على مستوى مختلف  الأطياف والطبقات والاتجاهات - بنصيب قَلً من حظي به من العلماء والقادة والزعماء بدون انتقاص لقدرهم، وقلما رأيت -غير الإمام الندوي- شخصية أجل وأحب  من شخصية الشيخ الرابع و أعظم احتراما منه .. ليس على مستوى الهند فحسب .. بل على مستوى العالم الإسلامي قاطبة !

من هنا .. كانت اتفقت عليه كلمة الأمة، فولته قيادتها، فقادها قيادة حكيمة موفقة، ومعلوم أن فترة قيادته لها كانت مليئة بالأوضاع الحرجة، ولكن ربان السفينة إذا كان ماهرا متيقظا، فينجح -بتوفيق الله- في إرساء السفينة -رغم الأمواج المتلاطمة والعواصف الهوجاء- على الشاطىء في سلام وأمان، و هكذا قاد شيخنا الراحل السفينة الإسلامية الهندية  في العباب المضطرب والأفق المكفهر .. قادها في حذق وبراعة، ويقظة وصبر،ووعي وحنكة، وثقة بنصر الله، وإيمان بقوته وتوفيقه.

الحقيقة أن قيادة المسلمين في بلد كالهند، يموج بالاتجاهات والنظرات والأفكار والمسالك والمذاهب و الحركات، و -خاصة- في ظل الظروف الراهنة، التي لم يمر بها المسلمون بمثلها -فداحة وخطورة- من قبل .. ليست أمرا سهلا، ولكن الشيخ محمدا الرابع أثبت بقيادته الحكيمة للأمة الإسلامية الهندية أنه كان:"الرجل المطلوب" للقيادة المنشودة  التي تتطلبها الأوضاع الحاضرة، وأنه كان موفقا منصورا من الله، لأن القيادة جاءت تسعى إليه، ولم يطلبها قط، ولم يكن يعتبر نفسه أهلا لها، قبلها على مضض .. شعورا منه بواجبه نحو أمته، واهتماما بأمورها، وحرصا على حل قضاياها ومشاكلها.

ومن نافلة القول أن أفيد القراء الشباب بأن شيخنا الراحل رحمه الله كان تم اختياره رئيسا لهيئة الأحوال الشخصية في حيدرآباد سنة ٢٠٠٢م ، وهو لم يكن موجودًا في الاجتماع الذي اختاره فيه أعضاء الهيئة رئيسا لها، حيث كان لدى الاختيار في الطريق إلى حيدرآباد، وقد كان اعتذر عن تولي مهام الرئاسة، ولكن لما وقع الاختيار عليه، قَبِلَها مراعاة لمصلحة الأمة.

والحقيقة أن جميع المناصب التي تقلدها، لم يطلبها، ولا رغب فيها، بل وُلِّيَها وهو زاهد فيها، غير ساعٍ إليها، فبارك الله له فيها .

الفقيد أستاذا للأجيال

عُرِف الشيخ بكونه رجل الأدب، ولعل سبب ذلك أنه قد كان تولى منصب :"الأديب الأول" ، ثم عمادة :"كلية اللغة العربية" بندوة العلماء، أو لأنه كان يُدَرِّس كتب الأدب ودواوين الشعر، ويؤلف الكتب في الأدب والإنشاء، والحقيقة أنه لم يكن له اختصاص في الأدب والإنشاء فقط، بل كان عالما متضلعا من علوم الشريعة، عارفا بأسرارها ورموزها، تدل على ذلك كتاباته وخطبه و أحاديث مجالسه، حيث كانت تزخر باللفتات والنكات العلمية الدقيقةالتي لا ينطق بها إلا من له نظر في علوم الكتاب والسنة، وغوص في بحر معانيهما، و كان يُدرِّسُ - في أواخر عمره- أهم كتب الشريعة والسنة، مثل صحيح البخاري و حجة الله البالغة .

ومن سعادتي أنني قرأت عليه بعض دواوين الشعر لفحول الشعراء العرب، وكان منهجه التدريسي سهلا سائغا مقبولا، خفيفا على السمع، جميلا مؤثرا رائعا، ينال من الطالب الرضا والاقتناع، فإذا تكلم فكأنه ينثر الدرر واللآلي، أو كلام يقطر عسله، أو - كما قيل - : كأن "حديثه أحلى من جني الشهد " ، ويشرح الأبيات شرحا يلذ الطلاب سماعه، ويتمنون لو تطول الساعة ليظل الشيخ يمتعهم بحديثه الماتع.

أما شرح شيخنا للكلمات شرحا لغويا، فكان شرح المتمكن من العربية، المُلِمّ بدقائقها وخصائصها، العارف بفوارق المترادفات من الألفاظ والكلمات . 

ومما أذكر من نصائحه أنه كان يرغبني في كتابة:"المذكرات اليومية"، لما فيها من الفوائد الكثيرة، فهي - كتابة المذكرات- تدرب الطالب  على التعبير عن الخواطر والمشاعر في شتى الموضوعات، والمواظبة عليها تجعله كاتبا قديرا، ثم تسجيل الأحداث والوقائع  -عبر المذكرات - يعني كتابةَ التاريخ للمستقبل .

ولما أنشىء القسم العربي بالجامعة الإسلامية / دارالعلوم / حيدرآباد - التي عملت بها مدرسا نحو ثلاثة عقود من الزمن- و أسند إلي أمره، أدرجت :"كتابة المذكرات" في المقررات الدراسية للقسم، وألزمت كل طالب فيه بكتابة صفحتين -على الأقل- يوميا، فكان الطلاب يتنافسون، وكانوا يقولون بعد التخرج : أعظم ما استفدنا من مقررات القسم: مادة كتابة المذكرات .. فقد علمتنا الكتابةَ ودربتْنا عليها، وسهلت لنا طَرْقَ أي موضوع نريد الكتابة فيه، وكان بعضهم يشكرون لصاحب السطور على إدراج :"كتابة المذكرات" ضمن مقررات المنهج ، والحقيقة أن الفضل في ذلك يرجع إلى شيخنا الرابع الذي كان استلفت نظري لأهمية كتابة المذكرات اليومية .

كان رحمه الله -بحق- أستاذ الأجيال ومربي الأساتذة، فقد درّس أكثر من سبعة عقود من الزمن، وهي مدة لا  يدرّس فيها إلا من يعدون على الأصابع، فقد ظل يُدَرّس ويُعلِّم منذ أن تخرج  إلى أن وافته المنية، ولعل عن أمثال شيخنا هذا رحمه الله قال الإمام الغزالي :" من علِم وعلّم فهو الذي يدعى عظيما من ملكوت السماوات، فإنه كالشمس تضيء لغيرها، وهي في نفسها مضيئة، وكالمسك الذي يُطَيِّب غيره وهو من نفسه طيب، و من اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرا عظيما وخطرا جسيما ".

لقد كان شيخنا عظيما،يبني ويربي ويعلم ويوجه ويرشد،ويصنع ويعد الرجال، وينير الطريق إلى آخر نفس من أنفاس حياته .

الفقيد مؤلفا

تُعرَفُ أسرة الشيخ الرابع - إلى كونها أسرة العلم والفضل والدعوة والصلاح والتقى والأمجاد- بأسرة التأليف والتصنيف، فقد نبغ فيها المؤلفون، حتى النساء من الأسرة الحسنية كانت منها - ولا تزال-  صاحبات علم وفضل وأدب، يؤلفن الكتب، ويقرضن الشعر.

ومن هنا .. فإن شيخنا الرابع اشتغل بالتأليف منذ شبابه المبكر، وصدرت عن قلمه تأليفات قيمة -باللغتين العربية والأردية- في شتى الموضوعات من الأدب والإنشاء والسير، والجغرافيا والرحلات، ومن أهم كتبه : "جزيرة العرب" ، و"شهران في أمريكا"، و"سراجا منيرا" ، و "ندوة العلماء : فكرتها ومنهجها"، و'الأدب العربي بين عرض ونقد"، و" أضواء على الفقه الإسلامي ومكانته الاجتماعية"، و"العالم الإسلامي اليوم قضايا وحلول"   وغيرها .

تتسم كتاباته بالأسلوب العلمي الجاد الرصين، وسلاسة التعبير، والسهولة في الأداء، مع عفة القلم، وصفاء الفكر، والنظر السديد، والرأي الصائب،  والبعد عن الزخرفة اللفظية، وعن التعقيد والصعوبة، والتكلف والتصنع.

هذا . وعدد من كتبه من المقررات الدراسية لندوة العلماء والمدارس والكليات الأخرى.

الفقيد صحفيا

يعتبر شيخنا من رواد الصحافة العربية في الهند، فقد كان أصدر صحيفة:"الرائد" منذ أكثر من ستة عقود من الزمن، كما كان من مؤسسي مجلة:"البعث الإسلامي"، وظل يكتب فيها -وفي غيرها من المجلات والجرائد العربية والأردية- حول موضوعات الساعة وغيرها من الموضوعات العلمية والدينية والأدبية، بأسلوبه الهادىء الرزين، عبر الرؤية الإسلامية المتزنة . 

 الفقيد خطيبا

الشيخ -برد  الله ثراه وخلد ذكراه- لم يكن خطيبا حماسيا، ولكنه إذا تكلم كلاما أصاب منه المَحَزّ، وصادف له المَهَزّ، وإذا تحدث تحدث حديثا مؤثرا، حديث المؤمن إلى المؤمن، وحديث قلب إلى قلب، وكأنه { رخاء حيث أصاب }، وما خرج من القلب دخل القلب، وما يخرج من اللسان لا يتجاوز الآذان ..  تستفيد من خطبه تأثير الوعظ، وحلاوة الجملة، وغزارة المعنى، وسمو الروح، وإشراق النفس، وسحر الإخلاص، وتحرق القلب المؤمن على أوضاع الأمة. فالعبرة بالمعاني وما وراء الكلمات من الدواعي والعواطف، لا بالكلمات الطنانة  الخالية من الروح والعاطفة، التي تقع على السمع وقوع المطرقة على الرأس..

الفقيد إنسانا

لعل ناحية :"الإنسانية" أبرز نواحي حياة شيخنا الراحل الخصبة، وأعظمها جمالا وإشراقا ..

كان -في الحقيقة- ملَكا يمشي على الأرض .. 

لقد كان من حسن الأخلاق على أعظم ما يتصور منه، فبلغ من اللين والنبل والتواضع  والصبر والحلم  منزلة  لا يصل إليها إلا من رحم ربك .

أما اللين  وحب الخير للناس فحدث عن البحر ولا حرج .. 

أما النبل .. فكان يتحلى به -بشيخنا الراحل-  بأكثر مما يتحلى هو به، ولو كانت له صورة، لكانت : هو ..  رحمه الله.

أما التواضع فكان كما قال ابن السماك لهارون الرشيد :" لتواضعك في شرفك أشرف من شرفك " .

لقد كان صورة مثالية للحديث الشريف :«ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله » رواه مسلم، فقد رفعه الله بقدر تواضعه، الذي لا يعرفه إلا من عاشره وخالطه، يقول خادمه : " لقد صحبته أكثر من عشر سنوات، ولكنه لم يقل لي قط :  لم فعلت كذا، ولم لم تفعل كذا، وما غضب علي ولا مرة واحدة".

أما الصبر فكان يتجمل به -رحمه الله- بأكثر مما يتجمل هو به،  فصَبَرَ على حَدَثان الزمان صبرا  .. حتى كان له أن يتمثل بقول الشاعر :


صُبّت علي مصائب لو     أنها

صبت على الأيام صرن  ليالي 


أما حلمه فكما قال المتنبي :


لأن   حِلمَك    حِلْمٌ   لا      تكلّفُه

ليس التكحل في العينين كالكحل

  

لقد كان رحمه الله "بركة" و"نعمة" لمسلمي الهند خاصة، رجل يُتَقَرَّب بحبه إلى الله تعالى .. 

رجل أحب اللهَ تعالى، وأحبه اللهُ، فأحبه الناسُ ..

رجل يتربع  على عرش القلوب، ويحكم النفوس .. 

رجلُ خير .. لا يتكلم إلا في خير، ولا يعمل إلا خيرا .. ولا يريد إلا خيرا للناس أجمعين .. ذو القلب الرؤوم، والنفس الرقيقة، والصدر السمح الرحب، والتواضع الجم، واللهجة اللطيفة، والأخلاق الواسعة التي تسع الناس باختلاف أذواقهم وميولهم، يخفف الشعور بالألم، ويمسح الدموع، ويمرهم الجروح، ويجبر الكسور، ويخاطب القلوب والضمائرقبل العقول والأذهان، ويشخص الدواء، ويصف الدواء، وينثر الطيب عبر أخلاقه الزاكية من لين الجانب، ووَطاءة الكَنَف، وخفض الجناح، والبسط والإيناس، والصفح والإحسان والتفضل والصبر، وغض النظر عن التجاوزات، والإغضاء عن التقصيرات، والمسامحة بالحقوق، وتفقد أحوال القريبين والمعارف، والمحافظة على الود والعلاقات.

ولا عجب في كل ذلك .. فالشيء من معدنه لا يستغرب، فهو سليل العترة النبوية المباركة، حسيب نسيب، ذو المحتد الأصيل العريق .. 

حسني شريف كريم ابن الكريم ابن الكرام الأماثل العظام، الذين - لعل الشاعر - قال عن أمثالهم :


هيٰنُون   لَيْنون  أيسار   ذوو  يُسر

من تلق منهم تقل لاقيتُ   سيدَهم

مثلُ النجوم التي يسري بها الساري


كان سماحة شيخنا محمد الرابع حريصا - أعظم ما يكون الحرص- على تأليف القلوب والإحسان إليها، ومراعاة مشاعر الناس، والاستجابة لطلبات الصغار والكبار .. بقدر الإمكان.. فلا يخيب سائلا، ولا يرد طالبا، ولا يؤيس راجيا ..

وكان يتحرى أن لا يوذي أحدا لا بقوله و لا بفعله، ولا إشارة فضلا عن صراحة ..

و ما رأيت أحلى ولا أعف لسانا، وأعلى وأحسن منه خلقا إلا نادراً جدا .


ما إن أعدّ من  المكارم خصلة

إلا وجدتك  عمها    أو   خالها

إن   المكارم   لم تزل  معقولة

حتى حللتها براحتيك  عقالها


و الحقيقة أن هذه  الأخلاق المثالية- التي لو مزج بها البحر لعذب طعما-  والإنسانية النادرة  - التي أصبحت كعَنقاء مُغْرِب -  .. هي التي أضفت على الفقيد الغالي مسحة القبول والمحبوبية، وجعلت القلوب تنجذب إليه انجذاب الحديد إلى المغناطيس.

وما عرفه من لم يره عن كثب، لقد كان نموذجا حيا من علماء السلف رحمهم الله، الذين نقرأ أحوالهم في الكتب، كان رجلا من القرون الماضية .. قرون الخير والبركة، تخلف من عصره، أو ترك عصره،وطوى الزمان القهقرى .. ليعيش في هذا العصر،  لنطلع بحياته على حياة الذين كان يحياها سلف هذه الأمة .. لنرى في أخلاقه ومضات ولمعات من أخلاق العلماء والصلحاء العُبَّاد ممن مضوا  .

رحم الله الفقيد الغالي شيخنا محمدا الرابع الحسني، وعزى الأمة أجمل العزاء عنه، وعوضها من فقده خير العوض .


هذا .  ومما يعزينا ويخفف صدمتنا بفقده، أن خلَفَه من كان أجدر وأحق بخلافته والنيابة عنه، و من يستحق أن يقال له :" خير خلف لخير سلف " ، فكما هو معلوم أن فضيلة الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي اختير رئيسا لندوة العلماء خلفا لسماحة الشيخ محمد الرابع الحسني رحمه الله، وهو اختيار موفق  متفق عليه، مرضيّ عنه، والشيخ بلال معروف بصفاته الحسنية، وبخبراته في نطاق التعليم والتربية والدعوة والتوجيه الاجتماعي، ونرجو أن ندوة العلماء  ستمضي قدما على درب الرقي والازدهار، وتؤدي دورها بشكل أحسن وأفضل .. بتوفيق من الله وعونه، وفي ظل القيادة الشابة الجديدة الطموحة الواعية .


( الأربعاء : ١٧ من ذي القعدة ١٤٤٤ھ = ٧ من يونيو ٢٠٢٣م )  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العلامة السيد سليمان الندوي

سلام على صاحب التضحية الكبرى

كان الوستانوي أمة وحده